خَيَّاطٍ وَأَرَادَ النُّزُولَ، فَبَادَرَهُ الْخَيَّاطُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، وَأَصْلَحَ لَهُ زِرَّهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَأَخْرَجَ لَهُ صُرَّةً فِيهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَسَلَّمَهَا لَهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِنْ قِلَّتِهَا.
قَالَ «الشَّافِعِيُّ» : «لَا أَزَالُ أُحِبُّ حمادا لِمَا بَلَغَنِي عَنْهُ» ، وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ لِنَفْسِهِ:
يَا لَهْفَ قَلْبِي عَلَى مَالٍ أَجُودُ بِهِ ... عَلَى الْمُقِلِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ
إِنَّ اعْتِذَارِي إِلَى مَنْ جَاءَ يَسْأَلُنِي ... مَا لَيْسَ عِنْدِي مِنْ إِحْدَى الْمُصِيبَاتِ
وَعَنْ «الربيع بن سليمان» قَالَ: «أَخَذَ رَجُلٌ بِرِكَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: يَا ربيع، أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَاعْتَذِرْ إِلَيْهِ عَنِّي» .
وَقَامَ رَجُلٌ إِلَى «سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ» فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ «سعيد» : «مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ مِثْلَكَ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ أُخْرَى» .
وَرُوِيَ أَنَّ عليا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بَكَى، فَقِيلَ: «مَا يُبْكِيكَ» ؟ فَقَالَ: «لَمْ يَأْتِنِي ضَيْفٌ مُنْذُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ أَهَانَنِي» .
وَرُوِيَ أَنْ رَجُلًا أَتَى صَدِيقًا لَهُ، فَدَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ» ؟ قَالَ: «عَلَيَّ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ دَيْنٌ» ، فَوَزَنَ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِ وَعَادَ يَبْكِي، فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: «أَبْكِي لِأَنِّي لَمْ أَتَفَقَّدْ حَالَهُ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى مُفَاتَحَتِي» .
فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ هَذِهِ أَخْلَاقُهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الْحَشْرِ: 9، وَالتَّغَابُنِ: 16] وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آلِ عِمْرَانَ: 180] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَيَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَهُمْ» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ» .
وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَخِيلَ فِي حَيَاتِهِ، السَّخِيَّ عِنْدَ مَوْتِهِ» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ: الْبُخْلُ، وَسُوءُ الْخُلُقِ» .
وَعَنْ «علي» كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ، يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [الْبَقَرَةِ: 237] .
وَقَالَ «الشَّعْبِيُّ» : «لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَبْعَدُ غَوْرًا فِي نَارِ جَهَنَّمَ: الْبُخْلُ أَوِ الْكَذِبُ» .
وَقَالَ «بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ» : «الْبَخِيلُ لَا غِيبَةَ لَهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّكَ إِذًا لَبَخِيلٌ» .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَفْدِ بَنِي لَحْيَانَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ» ؟ قَالُوا: «جد بن قيس