وَهَكَذَا، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» .

وَعَنْ «يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ» قَالَ: «الدِّرْهَمُ عَقْرَبٌ، فَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ رُقْيَتَهُ فَلَا تَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ لَدَغَكَ قَتَلَكَ سُمُّهُ، قِيلَ: وَمَا رُقْيَتُهُ؟ قَالَ: أَخْذُهُ مِنْ حِلِّهِ وَوَضْعُهُ فِي حَقِّهِ» ، وَعَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مُصِيبَتَانِ لَمْ يَسْمَعِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِمِثْلِهَا لِلْعَبْدِ فِي مَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ» ، قِيلَ: «وَمَا هُمَا» ؟ قَالَ: «يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلُّهُ، وَيُسْأَلُ عَنْهُ كُلُّهُ» .

بَيَانُ مَدْحِ الْمَالِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّمِّ:

اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْمَالَ خَيْرًا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) [الْبَقَرَةِ: 180] وَقَالَ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نُوحٍ: 12] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» .

وَلَا تَقِفُ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الذَّمِّ وَالْمَدْحِ إِلَّا بِأَنْ تَعْرِفَ حِكْمَةَ الْمَالِ وَمَقْصُودَهُ وَآفَاتِهِ؛ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَكَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَشَرٌّ مِنْ وَجْهٍ، وَأَنَّهُ مَحْمُودٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَيْرٌ وَمَذْمُومٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرٌّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَيْرٍ مَحْضٍ وَلَا هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ، بَلْ هُوَ سَبَبُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَمَا هَذَا وَصْفُهُ، فَيُمْدَحُ تَارَةً وَيُذَمُّ أُخْرَى.

بَيَانُ تَفْصِيلِ آفَاتِ الْمَالِ وَفَوَائِدِهِ

قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَالَ فِيهِ خَيْرٌ وَشَرٌّ، فَمَنْ عَرَفَ فَوَائِدَهُ وَغَوَائِلَهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ شَرِّهِ وَيَسْتَدِرَّ مِنْ خَيْرِهِ. أَمَّا الْفَوَائِدُ فَدُنْيَوِيَّةٌ وَدِينِيَّةٌ، أَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَمَعْرُوفَةٌ، وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَتَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُنْفِقَهُ إِمَّا عَلَى عِبَادَةٍ كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ وَالْعِلْمِ، وَإِمَّا فِيمَا يُقَوِّيهِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ مَطْعَمٍ، وَمَلْبَسٍ، وَمَسْكَنٍ، وَمَنْكَحٍ، وَضَرُورَاتِ الْمَعِيشَةِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعِبَادَةِ إِلَّا بِهِ فَهُوَ عِبَادَةٌ.

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَصْرِفُهُ إِلَى النَّاسِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الصَّدَقَةُ، وَالْمُرُوءَةُ، وَوِقَايَةُ الْعِرْضِ، وَأُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ.

أَمَّا الصَّدَقَةُ: فَلَا يَخْفَى ثَوَابُهَا.

وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ: فَنَعْنِي بِهَا صَرْفَ الْمَالِ إِلَى الْأَغْنِيَاءِ وَالْأَشْرَافِ فِي ضِيَافَةٍ، وَهَدِيَّةٍ، وَإِعَانَةٍ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، فَإِنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى صَدَقَةً، بَلِ الصَّدَقَةُ مَا يُسَلَّمُ إِلَى الْمُحْتَاجِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا مِنَ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ؛ إِذْ بِهِ يَكْتَسِبُ الْعَبْدُ الْإِخْوَانَ وَالْأَصْدِقَاءَ، وَبِهِ يَكْتَسِبُ صِفَةَ السَّخَاءِ وَيَلْتَحِقُ بِزُمْرَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015