الْعُمْرَ وَتَفْضُلُ عَنْهُ، وَأَمَّا الْهَزْلُ فَتُزِيلُهُ بِالْجِدِّ فِي طَلَبِ الْفَضَائِلِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تُبْلِغُكَ إِلَى سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْهُزْءُ فَتُزِيلُهُ بِالتَّكَرُّمِ عَلَى إِيذَاءِ النَّاسِ، وَبِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ أَنْ يُسْتَهْزَأَ بِكَ، وَأَمَّا التَّعْيِيرُ فَبِالْحَذَرِ عَنِ الْقَوْلِ الْقَبِيحِ، وَصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ مُرِّ الْجَوَابِ، وَأَمَّا شِدَّةُ الْحِرْصِ فَبِالصَّبْرِ عَلَى مُرِّ الْعَيْشِ، وَبِالْقَنَاعَةِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِعِزِّ الِاسْتِغْنَاءِ، وَتَرَفُّعًا عَنْ ذُلِّ الْحَاجَةِ.
وَكُلُّ خُلُقٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ وَصِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ يَفْتَقِرُ فِي عِلَاجِهِ إِلَى رِيَاضَةٍ وَتَحَمُّلٍ وَمَشَقَّةٍ، وَحَاصِلُ رِيَاضَتِهَا الرُّجُوعُ إِلَى مَعْرِفَةِ غَوَائِلِهَا؛ لِتَرْغَبَ النَّفْسُ عَنْهَا، وَتَنْفِرَ عَنْ قُبْحِهَا، ثُمَّ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى مُوَاظَبَةِ أَضْدَادِهَا مُدَّةً مَدِيدَةً حَتَّى تَصِيرَ بِالْعَادَةِ هَيِّنَةً مَأْلُوفَةً عَلَى النَّفْسِ، فَإِذَا انْمَحَتْ عَنِ النَّفْسِ فَقَدْ زَكَتْ وَتَطَهَّرَتْ عَنْ هَذِهِ الرَّذَائِلِ، وَتَخَلَّصَتْ أَيْضًا مِنَ الْغَضَبِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهَا.
وَأَشَدُّ الْبَوَاعِثِ لِلْغَضَبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْجُهَّالِ تَسْمِيَتُهُمُ الْغَضَبَ شَجَاعَةً وَعِزَّةَ نَفْسٍ، حَتَّى تَمِيلَ النَّفْسُ إِلَيْهِ وَتَسْتَحْسِنَهُ، وَهَذَا مِنَ الْجَهْلِ، بَلْ هُوَ مَرَضُ قَلْبٍ وَنُقْصَانُ عَقْلٍ، وَيُعَالَجُ هَذَا الْجَاهِلُ بِأَنْ تُتْلَى عَلَيْهِ حِكَايَاتُ أَهْلِ الْحِلْمِ وَالْعَفْوِ، وَمَا اسْتُحْسِنَ مِنْهُمْ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ.
مَا تَقَدَّمَ هُوَ حَسْمٌ لِمَوَادِّ الْغَضَبِ حَتَّى لَا يَهِيجَ، فَإِذَا جَرَى سَبَبٌ هَيَّجَهُ فَعِنْدَهُ يَجِبُ التَّثَبُّتُ؛ حَتَّى لَا يَضْطَرَّ صَاحِبُهُ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْمُومِ، وَإِنَّمَا يُعَالَجُ الْغَضَبُ عِنْدَ هَيَجَانِهِ بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَأَمَّا الْعِلْمُ فَهُوَ أُمُورٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ، فَيَرْغَبَ فِي ثَوَابِهِ، وَتَمْنَعُهُ الرَّغْبَةُ فِي الْأَجْرِ عَنِ الِانْتِقَامِ، وَيَنْطَفِئُ عَنْهُ غَيْظُهُ.
الثَّانِي: أَنْ يُخَوِّفَ نَفْسَهُ بِعِقَابِ اللَّهِ لَوْ أَمْضَى غَضَبَهُ، وَهَلْ يَأْمَنُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى الْعَفْوِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الْعَدَاوَةِ وَالِانْتِقَامِ، وَتَشَمُّرَ الْعَدُوِّ لِمُقَابَلَتِهِ، وَالسَّعْيِ فِي هَدْمِ أَغْرَاضِهِ، وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ، وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ الْمَصَائِبِ، فَيُخَوِّفُ نَفْسَهُ بِعَوَاقِبِ الْغَضَبِ فِي الدُّنْيَا إِنْ كَانَ لَا يَخَافُ مِنَ الْآخِرَةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ، بِأَنْ يَتَذَكَّرَ صُورَةَ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَيَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ الْغَضَبِ فِي نَفْسِهِ، وَمُشَابَهَةِ صَاحِبِهِ لِلْكَلْبِ الضَّارِي وَالسَّبُعِ الْعَادِي، وَمُشَابَهَةِ الْحَلِيمِ الْهَادِي التَّارِكِ لِلْغَضَبِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ، وَيُخَيِّرَ نَفْسَهُ بَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَأَرَاذِلِ النَّاسِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ فِي عَادَتِهِمْ؛ لِتَمِيلَ نَفْسُهُ إِلَى حُبِّ الِاقْتِدَاءِ بِهَؤُلَاءِ إِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مَعَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى الِانْتِقَامِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ، مِثْلَ قَوْلِ الشَّيْطَانِ لَهُ: إِنَّ هَذَا يُحْمَلُ مِنْكَ عَلَى الْعَجْزِ وَالذِّلَّةِ وَتَصِيرُ حَقِيرًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَيَقُولُ