وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي حِكَايَةِ الْمَنَامِ فَالْإِثْمُ فِيهِ عَظِيمٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرْيَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَمْ يَرَ، أَوْ يَقُولَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ» .

الْآفَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: الْغِيبَةُ:

قَدْ نَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى ذَمِّهَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، وَشَبَّهَ صَاحِبَهُ بِآكِلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الْحُجُرَاتِ: 12] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» .

وَالْغِيبَةُ تَتَنَاوَلُ الْعِرْضَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَّبَعَ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ» .

وَعَنْ مجاهد «أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الْهُمَزَةِ: 1] الْهُمَزَةُ: الطَّعَّانُ فِي النَّاسِ، وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ» أَدْرَكْنَا السَّلَفَ وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْعِبَادَةَ فِي الصَّوْمِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ فِي الْكَفِّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ «. وَقَالَ» ابْنُ عَبَّاسٍ «: فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَذْكُرَ عُيُوبَ صَاحِبِكَ فَاذْكُرْ عُيُوبَكَ» .

بَيَانُ مَعْنَى الْغِيبَةِ وَحُدُودِهَا:

اعْلَمْ أَنَّ حَدَّ الْغِيبَةِ أَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ لَوْ بَلَغَهُ، سَوَاءٌ ذَكَرْتَهُ بِنَقْصٍ فِي بَدَنِهِ، أَوْ نَسَبِهِ، أَوْ فِي خُلُقِهِ، أَوْ فِي فِعْلِهِ، أَوْ فِي قَوْلِهِ، أَوْ فِي دِينِهِ، أَوْ فِي دُنْيَاهُ، حَتَّى فِي ثَوْبِهِ وَدَارِهِ وَدَابَّتِهِ، أَمَّا الْبَدَنُ فَذِكْرُكَ الْعَمَشَ، وَالْحَوَلَ، وَالْقَرَعَ، وَالْقِصَرَ، وَالطُّولَ، وَالسَّوَادَ، وَالصُّفْرَةَ، وَجَمِيعَ مَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ مِمَّا يَكْرَهُهُ كَيْفَمَا كَانَ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَبِأَنْ تَقُولَ: «أَبُوهُ فَاسِقٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ زَبَّالٌ، أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَكْرَهُهُ» ، وَأَمَّا الْخُلُقُ فَبِأَنْ تَقُولَ: «سَيِّئُ الْخُلُقِ، بَخِيلٌ، مُتَكَبِّرٌ، مُرَاءٍ، شَدِيدُ الْغَضَبِ، جَبَانٌ، مُتَهَوِّرٌ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ» ، وَأَمَّا فِي أَفْعَالِهِ فَكَقَوْلِكَ: «هُوَ سَارِقٌ، كَذَّابٌ، شَارِبُ خَمْرٍ، خَائِنٌ، ظَالِمٌ، مُتَهَاوِنٌ بِالصَّلَاةِ أَوِ الزَّكَاةِ، لَا يَحْتَرِزُ مِنَ النَّجَاسَاتِ، لَيْسَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ، وَنَحْوُهُ» وَأَمَّا فِعْلُهُ فَكَقَوْلِكَ: «إِنَّهُ قَلِيلُ الْأَدَبِ، مُتَهَاوِنٌ بِالنَّاسِ، كَثِيرُ الْكَلَامِ، كَثِيرُ الْأَكْلِ، نَئُومٌ، يَجْلِسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ» ، وَأَمَّا فِي ثَوْبِهِ فَكَقَوْلِكَ: «إِنَّهُ وَاسِعُ الْكُمِّ، طَوِيلُ الذَّيْلِ، وَسِخُ الثِّيَابِ، وَنَحْوُهُ» .

وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ فِي الْغِيبَةِ مَا جَاءَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ» ، وَإِنَّمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015