بِالطَّعَامِ الْخَشِنِ، أَيَّ طَعَامٍ كَانَ، وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ مَا لَيْسَ بِمُلَوَّنٍ وَحَرِيرٍ، وَيُقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَالْمُخَنَّثِينَ، وَأَنَّ الرِّجَالَ يَسْتَنْكِفُونَ مِنْهُ وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمَهْمَا رَأَى عَلَى صَبِيٍّ ثَوْبًا مِنَ الْحَرِيرِ أَوْ مُلَوَّنًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْكِرَهُ وَيَذُمَّهُ، وَأَنْ يُحْفَظَ عَنِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ عُوِّدُوا التَّنَعُّمَ وَالرَّفَاهِيَةَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ، وَعَنْ مُخَالَطَةِ كُلِّ مَنْ يُسْمِعُهُ مَا يُرَغِّبُهُ فِيهِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ مَهْمَا أُهْمِلَ فِي ابْتِدَاءِ نُشُوئِهِ، خَرَجَ فِي الْأَغْلَبِ رَدِيءَ الْأَخْلَاقِ، كَذَّابًا حَسُودًا سَرُوقًا نَمَّامًا لَحُوحًا، ذَا فُضُولٍ وَضَحِكٍ وَكِيَادٍ وَمَجَانَةٍ، وَإِنَّمَا يُحْفَظُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِحُسْنِ التَّأْدِيبِ. ثُمَّ يَشْتَغِلُ فِي الْمَكْتَبِ، فَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ وَأَحَادِيثَ الْأَخْيَارِ وَحِكَايَاتِ الْأَبْرَارِ وَأَحْوَالَهُمْ؛ لِيَنْغَرِسَ فِي نَفْسِهِ حُبُّ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَحْفَظُ مِنَ الْأَشْعَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِشْقِ وَأَهْلِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ بَذْرَ الْفَسَادِ، ثُمَّ مَهْمَا ظَهَرَ مِنَ الصَّبِيِّ خُلُقٌ جَمِيلٌ وَفِعْلٌ مَحْمُودٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَمَ عَلَيْهِ، وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يَفْرَحُ بِهِ وَيُمْدَحُ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْهُ، وَلَا يَهْتِكَ سِتْرَهُ، وَلَا يُكَاشِفَهُ، وَلَا يُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَتَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا سَتَرَهُ الصَّبِيُّ وَاجْتَهَدَ فِي إِخْفَائِهِ، فَإِنْ أَظْهَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رُبَّمَا يُفِيدُهُ جَسَارَةً حَتَّى لَا يُبَالِيَ بِالْمُكَاشَفَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ إِنْ عَادَ ثَانِيًا أَنْ يُعَاتَبَ سِرًّا، وَيُعَظَّمَ الْأَمْرُ فِيهِ، وَيُقَالُ لَهُ: «إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمِثْلِ هَذَا، وَأَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا، فَتَفْتَضِحَ بَيْنَ النَّاسِ» . وَلَا تُكْثِرِ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِالْعِتَابِ فِي كُلِّ حِينٍ؛ فَإِنَّهُ يَهُونُ عَلَيْهِ سَمَاعُ الْمَلَامَةِ وَرُكُوبُ الْقَبَائِحِ، وَيَسْقُطُ وَقْعُ الْكَلَامِ مِنْ قَلْبِهِ. وَلْيَكُنِ الْأَبُ حَافِظًا هَيْئَةَ الْكَلَامِ مَعَهُ، فَلَا يُوَبِّخُهُ إِلَّا أَحْيَانًا، وَالْأُمُّ تُخَوِّفُهُ بِالْأَبِ وَتَزْجُرُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ عَنِ النَّوْمِ نَهَارًا؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْكَسَلَ، وَلَا يُمْنَعَ مِنْهُ لَيْلًا، وَلَكِنْ يُمْنَعُ الْفُرُشَ الْوَطِيئَةَ؛ حَتَّى تَتَصَلَّبَ أَعْضَاؤُهُ، وَلَا يُسْخَفَ بَدَنُهُ فَلَا يَصْبِرُ عَلَى التَّنَعُّمِ، بَلْ يُعَوَّدُ الْخُشُونَةَ فِي الْمَفْرَشِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ فِي خِفْيَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُخْفِيهِ إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَبِيحٌ، فَإِذَا تَعَوَّدَ تَرَكَ فِعْلَ الْقَبِيحِ، وَيُعَوَّدُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ الْمَشْيَ وَالْحَرَكَةَ وَالرِّيَاضَةَ؛ حَتَّى لَا يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ، وَيُعَوَّدُ أَنْ لَا يَكْشِفَ أَطْرَافَهُ، وَلَا يُسْرِعَ الْمَشْيَ. وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفْتَخِرَ عَلَى أَقْرَانِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَالِدَاهُ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَطَاعِمِهِ وَمَلَابِسِهِ، بَلْ يُعَوَّدُ التَّوَاضُعَ وَالْإِكْرَامَ لِكُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ، وَالتَّلَطُّفَ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمْ، وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصِّبْيَانِ شَيْئًا بَدَا لَهُ، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ الرِّفْعَةَ فِي الْإِعْطَاءِ لَا فِي الْأَخْذِ، وَأَنَّ الْأَخْذَ لُؤْمٌ وَخِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الْكَلْبِ، فَإِنَّهُ يُبَصْبِصُ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ وَالطَّمَعِ فِيهَا. وَبِالْجُمْلَةِ يُقَبَّحُ إِلَى الصِّبْيَانِ حُبُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّمَعِ فِيهِمَا، وَيُحَذَّرُ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِمَّا يُحَذَّرُ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ؛ فَإِنَّ آفَةَ حُبِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَضَرُّ مِنْ آفَةِ السُّمُومِ عَلَى الصِّبْيَانِ، بَلْ وَعَلَى الْكِبَارِ أَيْضًا. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّدَ أَنْ لَا يَبْصُقَ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا يَتَمَخَّطَ وَلَا يَتَثَاءَبَ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ، وَلَا يَسْتَدْبِرَ غَيْرَهُ وَلَا يَضَعَ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ وَلَا يَضَعَ كَفَّهُ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَلَا يَعْمِدَ رَأْسَهُ بِسَاعِدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْكَسَلِ، وَيُعَلَّمُ كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسِ، وَيُمْنَعُ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَيُبَيَّنُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوَقَاحَةِ وَأَنَّهُ فِعْلُ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ، وَيُمْنَعُ الْيَمِينَ رَأْسًا - صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا - حَتَّى لَا يَعْتَادَ ذَلِكَ فِي الصِّغَرِ، وَيُعَوَّدُ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ مَهْمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا، وَأَنْ يَقُومَ لِمَنْ فَوْقَهُ وَيُوَسِّعَ لَهُ الْمَكَانَ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ،