الضَّمَائِرِ، وَحَرَكَاتِ الْخَوَاطِرِ، وَخَفِيَّاتِ السَّرَائِرِ، بِعِلْمٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهِ فِي أَزَلِ الْآزَالِ ; وَأَنَّهُ تَعَالَى مُدِيرٌ لِلْكَائِنَاتِ، مُدَبِّرٌ لِلْحَادِثَاتِ، فَلَا يَجْرِي فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ أَمْرٌ إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ. فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى سُمَيْعٌ بَصِيرٌ، لَا يَعْزُبُ عَنْ سَمْعِهِ مَسْمُوعٌ وَإِنْ خَفِيَ، وَلَا يَغِيبُ عَنْ رُؤْيَتِهِ مَرْئِيٌّ وَإِنْ دَقَّ، وَلَا يَحْجُبُ سَمْعَهُ بُعْدٌ، وَلَا يَدْفَعُ رُؤْيَتَهُ ظَلَامٌ. لَا يُشْبِهُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ سَمْعَ وَبَصْرَ الْخَلْقِ، كَمَا لَا تُشْبِهُ ذَاتُهُ ذَاتَ الْخَلْقِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ آمِرٌ نَاهٍ، وَاعِدٌ مُتَوَعِّدٌ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ كُتُبُهُ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَيَبِيدُ، وَلَا صِفَةٍ لِمَخْلُوقٍ فَيَنْفَدُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا مَوْجُودَ سِوَاهُ إِلَّا وَهُوَ حَادِثٌ بِفِعْلِهِ، وَفَائِضٌ مِنْ عَدْلِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا وَأَتَمِّهَا وَأَعْدَلِهَا، وَأَنَّهُ حَكِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ عَادِلٌ فِي أَقْضِيَتِهِ، فَكُلُّ مَا سِوَاهُ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وَسَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَحَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَجَمَادٍ وَمُدْرَكٍ وَمَحْسُوسٍ حَادِثٌ، اخْتَرَعَهُ بِقُدْرَتِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ اخْتِرَاعًا، وَأَنْشَأَهُ إِنْشَاءً بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، إِذْ كَانَ فِي الْأَزَلِ مَوْجُودًا وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَأَحْدَثَ الْخَلْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَتَحْقِيقًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إِرَادَتِهِ وَلِمَا حَقَّ فِي الْأَزَلِ مِنْ كَلِمَتِهِ، لَا لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ وَحَاجَتِهِ، وَأَنَّهُ مُتَفَضِّلٌ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ وَالتَّكْلِيفِ لَا عَنْ وُجُودٍ، وَمُتَطَوِّلٌ بِالْإِنْعَامِ وَالْإِصْلَاحِ لَا عَنْ لُزُومٍ، فَلَهُ الْفَضْلُ وَالْإِحْسَانُ، وَالنِّعْمَةُ وَالِامْتِنَانُ، وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُثِيبُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الطَّاعَاتِ بِحُكْمِ الْكَرَمِ وَالْوَعْدِ لَا بِحُكْمِ اللُّزُومِ لَهُ، إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ فِعْلٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ظُلْمٌ، وَلَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَأَنَّ حَقَّهُ فِي الطَّاعَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الْخَلْقِ بِإِيجَابِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، وَلَكِنَّهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَظْهَرَ صِدْقَهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ فَبَلَّغُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، فَوَجَبَ عَلَى الْخَلْقِ تَصْدِيقُهُمْ بِمَا جَاؤُوا بِهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الْقُرَشِيَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِسَالَتِهِ إِلَى [كَافَّةِ] الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَأَنَّهُ خَتَمَ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ بِبِعْثَتِهِ فَجَعَلَهُ آخِرَ الْمُرْسَلِينَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْحَكِيمَ وَشَرَحَ بِهِ دِينَهُ الْقَوِيمَ، وَهَدَى بِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَلْزَمَ الْخَلْقَ تَصْدِيقَهُ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ كَمَا بَدَأَهُمْ يَعُودُونَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ خَلَقَ الْجَنَّةَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَكْرَمَهُمْ فِيهَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَخَلَقَ النَّارَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَأَلْحَدَ فِي آيَاتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَجَعَلَهُمْ مَحْجُوبِينَ عَنْ رُؤْيَتِهِ.
وَنَدِينُ بِأَنْ لَا نُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ يَرْتَكِبُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخُمُورِ، وَنَدِينُ بِأَنْ لَا نُنْزِلَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْمُتَمَسِّكِينَ بِالْإِيمَانِ جَنَّةً وَلَا نَارًا إِلَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ، وَنَرْجُو الْجَنَّةَ لِلْمُذْنِبِينَ وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا بِالنَّارِ مُعَذَّبِينَ، وَنَقُولُ إِنَّ