الْمُحَارِبِينَ، وَذَلِكَ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا أَخْرَجُوا مِنْهَا الْخُمْسَ وَقَسَّمُوهَا بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَأْخُذُوهَا مِنْ كَافِرٍ لَهُ حُرْمَةٌ وَأَمَانٌ وَعَهْدٌ.
الثَّالِثُ: مَا يُؤْخَذُ تَرَاضِيًا بِمُعَاوَضَةٍ وَذَلِكَ حَلَالٌ إِذَا رُوعِيَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُصَحِّحَةُ مَعَ مَا تَعَبَّدَ الشَّرْعُ بِهِ مِنِ اجْتِنَابِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ.
الرَّابِعُ: مَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ كَالْمِيرَاثِ وَهُوَ حَلَالٌ إِذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ قَدِ اكْتُسِبَ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَتَعْدِيلِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَإِخْرَاجِ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ إِنْ كَانَ وَاجِبًا.
وَبَقِيَ أَقْسَامٌ أُخَرُ وَنَحْنُ أَشَرْنَا إِلَى جُمْلَتِهَا لِيَعْلَمَ الْمُرِيدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْكُلُهَا مِنْ جِهَتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْتِيَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ وَلَا يُقْدِمَ عَلَيْهِ بِالْجَهْلِ، فَإِنَّهُ كَمَا يُقَالُ لِلْعَالِمِ: «لِمَ خَالَفْتَ عِلْمَكَ» ؟ يُقَالُ لِلْجَاهِلِ: لِمَ لَازَمْتَ جَهْلَكَ وَلَمْ تَتَعَلَّمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَكَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» .
اعْلَمْ أَنَّ الْحَرَامَ كُلَّهُ خَبِيثٌ لَكِنَّ بَعْضَهُ أَخْبَثُ مِنْ بَعْضٍ، وَالْحَلَالَ كُلَّهُ طَيِّبٌ وَلَكِنَّ بَعْضَهُ أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَصْفَى مِنْ بَعْضٍ، وَلِذَا كَانَ الْوَرَعُ عَنِ الْحَرَامِ عَلَى دَرَجَاتٍ، فَمِنْهُ الْوَرَعُ عَنْ كُلِّ مَا تُحَرِّمُهُ فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُ الْوَرَعُ عَمَّا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالُ التَّحْرِيمِ، وَمِنْهُ مَا لَا شُبْهَةَ فِي حِلِّهِ وَلَكِنْ يُخَافُ مِنْهُ أَدَاؤُهُ إِلَى مُحَرَّمٍ وَهُوَ تَرْكُ مَا لَا بَأْسَ لَهُ مَخَافَةً مِمَّا بِهِ بِأْسٌ، وَمِنْهُ مَا لَا يُخَافُ مِنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى مَا بِهِ بِأْسٌ وَلَكِنَّهُ يُتَنَاوَلُ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَا عَلَى نِيَّةِ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ أَوْ تَتَطَرَّقُ إِلَى أَسْبَابِهِ الْمُسَهِّلَةِ لَهُ كَرَاهِيَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ «ابْنِ سِيرِينَ» أَنَّهُ تَرَكَ لِشَرِيكِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ حَاكَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مَعَ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَكَانَ لِبَعْضِهِمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَلَى إِنْسَانٍ فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ فَأَخَذَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَتَوَرَّعَ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ خِيفَةَ الزِّيَادَةِ.
وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَّجِرُ فَكُلُّ مَا يَسْتَوْفِيهِ يَأْخُذُهُ بِنُقْصَانِ حَبَّةٍ وَمَا يُعْطِيهِ يَزِنُهُ بِزِيَادَةِ حَبَّةٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ الِاحْتِرَازُ عَمَّا يَتَسَامَحُ بِهِ النَّاسُ فَإِنَّ ذَلِكَ حَلَالٌ فِي الْفَتْوَى وَلَكِنْ يُخَافُ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ أَنْ يَنْجَرَّ إِلَى غَيْرِهِ وَتَأْلَفَ النَّفْسُ الِاسْتِرْسَالَ وَتَتْرُكَ الْوَرَعَ كَمَا تَوَرَّعَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَخْذِ تُرَابٍ مِنْ حَائِطِ بَيْتٍ كَانَ يَسْكُنُهُ بِكِرَاءٍ.
وَكَمَا رُوِيَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ» كَانَ يُوزَنُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِسْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ بِأَنْفِهِ حَتَّى لَا تُصِيبَهُ الرَّائِحَةُ، وَقَالَ لَمَّا اسْتُبْعِدَ ذَلِكَ مِنْهُ: «وَهَلْ يُنْتَفَعُ مِنْهُ إِلَّا بِرِيحِهِ» ؟ وَمِنْهُ أَنْ بَعْضَهُمْ كَانَ عِنْدَ مُحْتَضَرٍ فَمَاتَ لَيْلًا