أما بعد: فقد قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البَقَرَة: 30] .
عباد الله ذكر الله جل وعلا بداية خلق «الإنسان الأول» آدم أبي البشر - عليه السلام -، ومادته التي خلق منها، وفضائله، وسكناه الجنة، وما جرى عليه وعلى عدوه من شؤم المعصية ومخالفة الأمر ذكر الله حالهما ومآلهما؛ ليكون عظة وعبرة لأولادهما.
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البَقَرَة: 30] يخبر عن امتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم {خَلِيفَةً} قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل (?) .
ولما اعترضت الملائكة على خلق هذا الخليفة و {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البَقَرَة: 30] . أجابهم سبحانه بأن في خلقه من الحكم والمصالح ما لا تعلمه الملائكة والخالق سبحانه يعلمه.
وأظهر سبحانه من علمه وحكمته الذي خفي على الملائكة من أمر هذه الخليفة ما لم يكونوا يعلمونه بأن جعل من نسله من أوليائه وأحبابه ورسله وأنبيائه من يتقربون إليه بأنواع القرب، ويبذلون أنفسهم في محبته ومرضاته يسبحون بحمده آناء الليل وأطراف
النهار، ويذكرونه قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم، ويعبدونه