تعجز عقول العقلاء عن معرفتها وعن القدرة عليها ممن لا عقل له ولا قدرة ولا شعور؟ وهل التصديق بهذا إلا دخول في سلك المجانين والمبرسمين!!
ثم قل لها بعد ذلك: ولو ثبت لك ما ادعيت فمعلوم أن مثل هذه الصفة ليست بخالقة لنفسها ولا مبدعة لذاتها، فمن ربها ومبدعها وخالقها؟ ومن طبعها وجعلها تفعل ذلك فهي إذًا من أدل الدلائل على خالقها وبارئها وفاطرها وكمال علمه وقدرته وحكمته، فلم يُجْدِ عليك تعطيلكِ رب العالم وجحودكِ لصفاته وأفعاله إلا مخالفتكِ العقل والفطرة.
فإن رجَعَتْ إلى العقل وقالت: لا يوجد حكمة إلا من حكيم قادر عليم، ولا تدبير متقن إلا من صانع قادر مختار مدبر عليم بما يريد قادر عليه لا يعجزه ولا يؤوده. قيل لكَ: فإذا أقررتَ ويحك بالخلاق العظيم الذي لا إله غيره ولا رب سواه فَدَعْ تسميته طبيعة أو عقلاً فعالاً أو موجبًا بذاته، وقل: هذا هو الخالق البارئ المصور رب العالمين وقيوم السموات والأرضين، ورب المشارق والمغارب، الذي أحسن كل شيء خلقه وأتقن ما صنع، فما لكَ جحدت أسماءه وصفاته وذاته، وأضفت صنيعه إلى غيره وخلقه إلى سواه، مع أنك مضطر إلى الإقرار به وإضافة الإبداع والخلق والربوبية والتدبير إليه ولابد. والحمد لله رب العالمين.
على أنك لو تأملت معنى هذه اللفظة «طبيعة» لدلك على الخالق البارئ لفظُها، كما دل العقول عليه معناها؛ لأن «طبيعة» فعيلة بمعنى مفعولة أي مطبوعة؛ لأنها على بناء الغرائز التي ركبت