عبثًا، ولم يتركهم سدى؛ بل خلقهم لأمر عظيم، وخطب جسيم، عرض على السموات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه، وقلن: ربنا إن أمرتنا فسمعًا وطاعة، وإن خيرتنا فعافيتك لا نبغي بها بدلا. وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله، وباء به على جهله وظلمه، فألقى أكثر الناس الحمل عن ظهورهم لثقله، ولشدة مؤنته عليهم؛ فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم، ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار، التي هي معبر وطريق إلى دار القرار، ولا يتفكرون في قلة مقامهم في الدنيا الفانية، وسرعة رحيلهم إلى الدار الباقية.
أما الموفقون- يا عباد الله- فلما علموا ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رءوسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه، ورأوا بعين البصيرة مُلْكًا كبيرًا لا تعتريه الآفات ولا يلحقه الزوال، ونعيمًا مقيمًا في جوار الكبير المتعال، في روضات الجنات يتقلبون، وعلى أسرتها يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من استبرق يتكئون، وبالحور العين يتنعمون، وبأنواع الثمار يتفكهون؛ وسمعوا الرب الكريم تبارك وتعالى يدعو إلى دار السلام التي سلمت من كل بلية ومكروه فأجابوه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اطلبوا الجنة جَهْدَكم، واهربوا من النار جَهْدَكم؛ فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها» ويقول: «لا تنسوا العظيمتين. قلنا: وما العظيمتان يا رسول الله؟ قال: الجنة والنار» .
عباد الله والجنة ذاتها تسأل الله تعالى أن يعجل إليها بسكانها، وتذكر شوقها إليهم، وتشفع فيهم إلى ربهم؛ ففي الحديث المرفوع: