عباد الله: من تأمل القرآن الكريم وأدار فكره فيه، وكذلك الأحاديث الصحيحة التي هي مفسرة للكتاب وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك سير السلف الصالح من أهل العلم والإيمان، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان- من تأملهم علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخشية والخوف والإخبات، وأن ذلك هو الذي رقَّاهم المقامات السنيات، من شدة الاجتهاد في الطاعات، والانكفاف عن دقائق الأعمال المكروهات، فضلاً عن المحرمات. ولهذا قال بعض السلف: خوف الله حجب قلوب الخائفين عن زهرة الدنيا وعوارض الشهوات.
عباد الله ذكر العلماء أن النفوس ولا سيما في هذه الأزمان وقبلها بأزمان قد غلب على كثير منها الكسل والتواني، واسترسلت في شهواتها وأهوائها وتمنت على الله الأماني. والشهوات المحرمة لا يذهبها من القلوب إلا أحد أمرين: إما خوف مزعج محرق، أو شوق مبهج مقلق، فذلك بمشيئة الله هو القامع للنفوس عن غيها وفسادها، والباعث لها على المسارعة إلى فلاحها ورشادها. والخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحًا، فإذا نزل الموت فالرجاء أفضل. والقَدْرُ الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإذا زاد على ذلك بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات: كان ذلك فضلاً محمودًا.
وقد ضمن الله سبحانه الجنة لمن خافه من أهل الإيمان، قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحمن: 46] قال