فله - صلى الله عليه وسلم - حوضان عظيمان: حوض في الدنيا، وهو سنته وما جاء به. وحوض في الآخرة فالشاربون من هذا الحوض في الدنيا هم الشاربون من حوضه يوم القيامة، فشارب ومحروم، ومستقل ومستكثر.
والذين يذودهم هو والملائكة عن حوضه يوم القيامة هم الذين كانوا يذودون أنفسهم وأتباعهم عن سنته ويؤثرون عليها غيرها فمن ظمأ من سنته في هذه الدنيا ولم يكن له منها شرب فهو في الآخرة أشد ظمأ وأحر كبدًا، وإن الرجل ليلقى الرجل فيقول:
يا فلان أشربت؟ فيقول: نعم والله. فيقول: لكني والله ما شربت، وا عطشاه.
ومنها قسمة الأنوار في الظلمة دون الجسر فإن العبد يعطى من النور هناك بحسب قوة نور إيمانه ويقينه وإخلاصه ومتابعته للرسول في دار الدنيا فمنهم من يكون نوره كالشمس، ودون ذلك كالقمر، ودونه كأشد كوكب في السماء إضاءةً، ومنهم من يكون نوره كالسراج في قوته وضعفه، وما بين ذلك.
ومنهم من يعطى نورًا على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ أخرى بحسب ما كان معه من نور الإيمان في دار الدنيا (?) ولما كان المنافق في الدنيا قد حصل له نور ظاهر غير مستمر ولا متصل بباطنه ولا له مادة من الإيمان أعطى في الآخرة نورًا ظاهرًا لا مادة له ثم يطفئ عنه أحوج ما كان إليه.