خرج الطبراني بإسناده أن رجلاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نزع ثيابه ثم تمرغ في الرمضاء وهو يقول لنفسه: ذوقي {نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التّوبَة: 81] جيفة بالليل، بطال بالنهار (?) ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله غلبتني نفسي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد فتحت لك أبواب السماء وباهى الله بك الملائكة» . وكان كثير من السلف يخرجون إلى الحدادين ينظرون إلى ما يصنعون بالحديد فيبكون، ويتعوذون بالله من النار. وكان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حر الظهيرة يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار؛ فإن الساعة تقوم في يوم الجمعة، ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. قاله ابن مسعود وتلا قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفُرقان: 24] فينبغي لمن كان في حر الشمس أن يتذكر حرها في الموقف؛ فإن الشمس تدنو من رءوس الناس يوم القيامة ويزاد في حرها، وليس هناك ظل إلا بالأعمال الصالحة.
ومما يدل على الجنة والنار أيضًا ما يعجل الله في الدنيا لأهل طاعته وأهل معصيته.
فإن الله تعالى يعجل لأوليائه وأهل طاعته من نفحات نعيم الجنة وروحها ما يجدونه ويشهدونه بقلوبهم مما لا تحيط به عبارة، ولا تحصره إشارة، حتى قال بعضهم: إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه فإنهم في عيش طيب. قال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.