الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أفاض على خلقه النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من يرد هدايته يشرح صدره للإسلام. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله كما أرسل الرسل من قبله يدعون إلى دار السلام، ويحذرون من المعاصي والآثام. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فيا عباد الله: السائر إلى الله والدار الآخرة لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بعلم وعمل فبالعلم يبصر منازل الطريق، وبالعمل يسير حقيقة، فكلما قطع منزلة استعد لقطع الأخرى واستشعر القرب من المنزل فهان عليه مشقة السفر. وكلما كلت نفسه من السير وعدها قرب التلاقي وبرد العيش. والدنيا كلها كساعة من ساعات الآخرة، وعمر الإنسان دقائق من دقائق تلك الساعة أو أقل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم أصبعه في اليم (يعني في البحر) فينظر بم يخرج» .
فالله الله عباد الله لا ننقطع في المفازة، ولنذكِّر أنفسنا ما أمامها من الأحباب، وما لديهم من الإكرام والإنعام، وما خلفنا من الأعداء، وما لديهم من الإهانة والعذاب.
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [الروم: 11] إن أحسن الحديث كتاب
الله ... (?) .