{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المَائدة: 60] . فهذا غضب مشفوع باللعنة والمسخ، وهو أشد ما يكون من الغضب.
{الضَّالِّينَ} هم النصارى، وقد وصفوا بالضلال المتنوع في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المَائدة: 77] فوصفهم بثلاث صفات. أحدها: أنهم قد ضلوا من قِبَلِهِم. والثاني: أنهم أضلوا أتباعهم. والثالث: أنهم ضلوا عن سواء السبيل- فأسلاف النصارى الذي نهي هؤلاء عن اتباعهم اجتمعت لهم الأنواع الثلاثة: ضلوا عن مقصودهم حيث لم يصيبوه، وزعموا أن إلههم بشر يأكل ويشرب ويبكي وأنه قتل وصلب وصفع. فهذا ضلال في نفس المقصود حيث لم يظفروا به، وضلوا عن السبيل الموصلة إليه؛ فلا اهتدوا إلى المطلوب، ولا إلى الطريق الموصلة إليه، ودعوا أتباعهم إلى ذلك. فضلوا عن الحق، وعن طريقه، وأضلوا كثيرًا، فكانوا أدخل في الضلال من اليهود فوصفوا بأخص
الوصفين.
فالشقاء والكفر ينشأ من عدم معرفة الحق تارة، ومن عدم إرادته والعمل به أخرى- فكفر اليهود نشأ من عدم إرادة الحق والعمل به وإيثار غيره بعد معرفته، فلم يكن ضلالاً محضًا. وكفر النصارى نشأ من جهلهم بالحق وضلالهم فيه، فإذا بين لهم وآثروا الباطل عليه أشبهوا الأمة الغضبية، وبقوا مغضوبًا عليهم ضالين (?) .