بها صلاح شأنها وقوام أمرها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر» .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وجدنا خير عيشنا بالصبر.
و «النفس» مطية العبد التي يسير عليها إلى الجنة أو النار، والصبر لها بمنزلة الخطام والزمام، فإن لم يكن للمطية خطام ولا زمام شردت في كل مذهب. حفظ من خطب الحجاج أنه قال: اقدعوا هذه النفوس فإنها طلعة إلى كل سوء، فرحم الله امرءًا جعل لنفسه خطامًا وزمامًا، فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معاصي الله؛ فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.
«والنفس لها قوتان» : قوة الإقدام، وقوة الإحجام. فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكًا عما يضره. ولإنسان في معترك الحياة بين جيشين: جيش الدين، وجيش الهوى فإما أن يكون القهر والغلبة لداعي الدين فيرد جيش الهوى مفلولاً، وهذا إنما يصل إليه بدوام الصبر، والواصلون إلى هذه المرتبة هم المنصورون في الدنيا والآخرة، وهم {الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فُصّلَت: 30] وهم الذين تقول لهم الملائكة عند الموت: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [فصلت: 30، 31] وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده. وإن كانت القوة والغلبة لداعي الهوى سقط منازعُه باعثُ الدين بالكلية، واستسلم البائس للشيطان وجنده، فيقودونه حيث شاءوا، ويكون من جندهم وأتباعهم، وهذه حال العاجز