الخطة الثانية
الحمد لله نحمده....
أما بعد: فيا أيها الإنسان أعد الآن النظر في نفسك مرة بعد مرة. من الذي دبرك بألطف التدبير وأنت جنين في بطن أمك في موضع لا يد تنالك، ولا بصر يدركك، ولا حيلة لك في التماس الغذاء، ولا في دفع الضرر. فمن الذي أجرى إليك من دم الأم ما يغذوك كما يغذو الماء النبات، وقلب ذلك الدم لبنًا، حتى إذا كمل خلقك واستحكم وقوي أديمك على مباشرة الهواء، وبصرك على ملاقاة الضياء، وصلبت عظامك على مباشرة الأيدي والتقلب على الغبراء، هاج الطلق بأمك فأزعجك إلى الخروج أيما إزعاج إلى عالم الابتلاء، فركضك الرحم ركضة من مكانك كأنه لم يضمك قط. ومن الذي صرف ذلك اللبن الذي كنت تتغذى به في بطن أمك إلى خزانتين معلقتين على صدرها، ومن الذي رققه لك وصفاه وأطاب طعمه وحسن لونه وأحكم طبخه، ومن عطف عليك قلب الأم ووضع فيه الحنان العجيب والرحمة الباهرة (?) . حتى إذا قوي بدنك واتسعت أمعاؤك وخشنت عظامك واحتجت إلى غذاء أصلب من غذائك وضع فيك آلة القطع والطحن، وكلما ازددت قوة وحاجة إلى الأسنان في أكل المطاعم المختلفة زيد لك في تلك الآلات فمن الذي ساعدك بها ومكنك من ضروب الغذاء إلا أحكم