على عظمة الله ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه.
لينظر ابن آدم كيف جمع سبحانه بين الذكر والأنثى بأن قادهما بسلسلة المحبة والشهوة التي هي سبب تخليق الولد وتكوينه من نطفة. ولينظر بعين البصيرة إلى «النطفة» وهي قطرة {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] ، ضعيف مستقذر لو مرت بها ساعة من الزمان فسدت وأنتنت كيف استخرجها رب الأرباب العليم القدير من بين الصلب والترائب (?) منقادة لقدرته، مطيعة لمشيئته، على ضيق طرقها واختلاف مجاريها، إلى أن ساقها إلى مستقرها ومجتمعها في مكان لا يناله هواء يفسده، ولا برد يجمده، ولا عارض يصل إليه، ولا آفة تتسلط عليه- فأقامت النطفة هناك برهة من الدهر.
ثم قلب سبحانه تلك النطفة البيضاء المشرقة «علقة» دمًا أحمر قد تغير لونها وشكلها وصفاتها، فأقامت كذلك مدة. ثم جعلها «مضغة» قطعة لحم بقدر ما يمضغها الماضغ مخالفة للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها. ثم قسم تلك الأجزاء المتشابهة المتساوية إلى «العظام» و «العروق» و «الأعصاب» ، ثم ربط بعضها ببعض أقوى رباط وأشده وأبعده عن الانحلال. ثم كساها «لحمًا» ركبه عليها وجعله وعاء لها وغشاء وحافظًا، وجعلها حاملة له مقيمة له.
وانظر كيف صورها فأحسن صورها، وشق لها السمع والبصر والفم والأنف وسائر المنافذ، ومد اليدين والرجلين وبسطهما، وقسم رءوسهما بالأصابع.