ويهين، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرَّحمن: 29] .
فأنزل الأبوين والذرية إلى دار تجري عليهم هذه الأحكام. أنزلوا إلى دار يكون إيمانهم فيها تامًا، فإن الإيمان قول وعمل وجهاد وصبر واحتمال، فكان إخراجهم من الجنة تكميلاً لهم وإتمامًا لنعمته عليهم ليزدادوا من الدار التي خلقوا منها وفيها إلى الدار التي خلقوا لها، وليعرفوا قدر تلك الدار التي أخرجوا منها.
فآدم أخرج من جنة الخلد التي في السماء ليعود إليها على أحسن أحواله. فما قدر أحكم الحاكمين ذلك باطلاً، ولا دبره عبثًا، ولا أخلاه من حكمته البالغة، وحمده التام. وخلق بنيه من تمام الحكمة والرحمة والمصلحة، وإن كان وجودهم مستلزمًا لشر فهو شر مغمور فيما في إيجادهم من الخير (?) .
فاشكروه عباد الله على أن كرَّمَ أباكم، وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلا، واعتبروا بما قصه الله عن ابتلاء أبوي الجن والإنس بالذنب، وجعل هذا الأب عبرة لمن أصر وأقام على ذنبه، وهذا الأبَ عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه. فأشبهوا أباكُم، وأطيعوا
مولاكم، واحذروا عدو أبيكم، فهو وذريته أعداكم. واحذروا الذنوب كلها فقد هبط آدم بلقمة تناولها، وطرد إبليس ولعن من أجل سجدة لأبيكم استكبر عنها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم