في آخرته، أو يقرِّبه عند ربه، لا يبالي بإدبار الدنيا وإقبالها, ولا (?) بهجوم الناس عليه أو نفورهم عنه، هيبةُ الله في قلبه تحاقرت عندها ممالك السلاطين وتيجانهم، كان صوَّامًا قوَّامًا لا يأكل من فاكهة ولا خضرة دَمشق لكثرة ما فيها من أوقاف ورعًا واحتياطًا، خوَّفهُ الملك الظاهر وهدده كي يفتي بجواز أخذ الضرائب للصرف على الجند وحرب الأعداء من الكفار فامتنع -رحمه الله- تعالى عن الفتوى حتى يُخْرِجَ السلطان والأمراء والوزراء ما عندهم من الحلي والمتاع الفاخر فيُباع لمصلحة المقاتلة والجند فإذا احتيج بعد ذلك للمال أفتى بجوازه، فهدده الملك الظاهر بالسجن وغيره فهدده الإِمام النووي بالله، فلم يلبث الملك الظاهر حتى مات، فهؤلاء رجال ... وها هنا أقوام يزعمون أنهم رجال وهم (السابقون) رجال يفتون السلطان قبل أن يستفتيهم ويعطونه ما يريد من دينهم قبل أن يسألهم!!! فلله الأمر من قبل ومن بعد.

لقد خضع الموافق والمخالف لهذا العالم الجليل، وأجمع الناس على تبحُّره في مذهب الشافعي وسائر الأئمة رحمهم الله تعالى، وأنه كان من أهل الإنصاف والنزاهة والأمانة والدقة في النقل، فلذا جعلنا مجموعه عمدة في موسوعتنا, ولمَّا لم يَكْمُلْ المجموع بانقضاء أجل مؤلفه عليه الرحمة والرضوان استعضنا عمَّا فاتنا من المجموع بما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم وشيء يسير من روضة الطالبين، لقد أكثر النووي -رحمه الله- تعالى من النقل في كتابيه هذين عن الإمامين أبي بكر ابن المنذر والقاضي عياض (?) صاحب الشفاء وشرح مسلم وكلاهما إمام وعمدة، ولولا ما فيهما من صفات الأمانة والنزاهة وسعة الاطلاع لما اعتمد عليهما إمامنا النووي رحمهم الله تعالى ولولا خشية الإطالة على القارئ لما أمسكنا عن الكلام عن هذا العالم الفريد فجزاه الله عنا وعن المسلمين والإِسلام خير ما جازي عالمًا عن أمته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015