جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شيء ومعنى، وكذلك لولا النور ما عرفت الظلمة.
من قال بذلك من المفسرين: ابن عباس، وسعيد بن جُبير، وقاله أبو حيان (?)، وحكاه الطبري، وقاله الثعالبي (?)، وابن جزي (?)، وعليه أكثر المفسرين.
2 - القول الثاني: قال قتادة، والسّدي: أي دليلًا يتلوه ويتبعه حتى يأتي عليه كله.
قلت: عند استقراء كتب التفسير نجد المفسرين كلامهم يدور حول هذين القولين.
الجمع بين القولين، وأنه ليس بينهما تضاد، ومناقشة قول البيضاوي:
أ- قال البيضاوي:
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} فإنه لا يظهر للحس (أي: الظل) حتى تطلع (أي: الشمس) فيقع ضوؤها على بعض الأجرام أو لا يوجد ولا يتفاوت إلا بسبب حركتها، {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا} أي: أزلناه بإيقاع الشمس موقعه لما عبر عن إحداثه بالمدِّ بمعنى: التسيير عبر عن إزالته بالقبض إلى نفسه الذي هو في معنى الكف، {قَبْضًا يَسِيرًا} قليلًا قليلًا حسبما ترتفع الشمس لينتظم بذلك مصالح الكون ويتحصل به ما لا يحصى من منافع الخلق، و {ثُمَّ} في الموضعين لتفاضل الأمور أو لتفاضل مبادئ أوقات ظهورها، وقيل: {مَدَّ الظِّلَّ} لما بنى السماء بلا نير ودحا الأرض تحتها فألقت عليها ظلها، ولو شاء لجعله ثابتًا على تلك الحالة، ثم خلق الشمس عليه دليلًا أي: مسلطًا عليه مستتبعًا إياه كما يستتبع الدليل المدلول أو دليل الطريق من يهديه - فإنه يتفاوت بحركتها ويتحول بتحولها، {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} شيئًا فشيئًا إلى أن تنتهي غاية نقصانه أو {قَبْضًا} سهلًا عند قيام الساعة بقض أسبابه من الأجرام المظلة والمظل عليها (?).