3 - في قوله {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ}، {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}
1 - وأما قوله عزَّ وجلَّ: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)} (المرسلات: 35) ثم قال في آية أخرى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} (الزمر: 31)، فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟ قال: هذا يوم لا ينطقون، ثم قال في موضع آخر: ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون؟ فزعموا أن هذا الكلام ينقض بعضه بعضًا، فشكوا في القرآن.
أما تفسير: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)} فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون، فذلك قوله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} (السجدة: 12)، فإذا أذن لهم في الكلام فتكلموا واختصموا فذلك قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} عند الحساب وإعطاء المظالم، ثم يقال لهم بعد ذلك: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} أي: عندي {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} (ق: 28) فإن العذاب مع هذا القول كائن.
2 - وأما قوله {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} (الإسراء: 97) وقال في آية آخرى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} (الأعراف: 50)، فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟ {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} ثم يقول في موضع آخر أنه ينادي بعضهم بعضًا؟ فشكوا في القرآن من أجل ذلك.
أما تفسير: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} (الأعراف: 44)، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضًا، وينادون: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}، ويقولون: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} (إبراهيم: 44)، {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} (المؤمنون: 106)، فهم يتكلمون حتى يُقال لهم: اخسأوا فيها