وَوَجَدْنَا مِنْهُ قَوْلَ اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} فَجَعَلَ الْفِصَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ مِنْ المُدَّةِ عَامَيْنِ، وَوَجَدْنَا مِنْهُ قَوْلَهُ -عزَّ وجلَّ-: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فَكَانَ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إثْبَاتُ الْحَوْلَيْنِ لِلْفِصَالِ، فَاحْتَمَلَ عِنْدَنَا -وَاللَّه أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ اللَّه -عزَّ وجلَّ- جَعَلَ الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا لَا أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى مَا فِي الآيَةِ الْأُولَى مِمَّا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فِيهَا قَدْ تَرْجِعُ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ زَادَ اللَّه -عزَّ وجلَّ- فِي مُدَّةِ الْفِصَالِ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ بِالآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَرَدَّ حُكْمَ الْفِصَالِ إلَى جِهَتِهِ مِنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا وَعَلَى تَتِمَّةِ الْحَوْلَيْنِ عَلَى مَا فِي الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَبَقِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ عَلَى مَا فِي الآيَةِ الْأُولَى فَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا، وَأَخْرَجَ مُدَّةَ الْفِصَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا إلَى مَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ بِالآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَاللَّه -عزَّ وجلَّ- أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ فِي ذَلِكَ وَبِمَا كَانَ مِنْهُ فِيهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ المُرَاعَاةُ بِالرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غَيْرُ وَاحِدٍ؛ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنه- كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ يُونُس بْنِ يَزِيدَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا- قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ.
كَمَا حَدَّثَنَا يُوُنُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا- قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ قَصَدَ إلَى الرَّضَاعِ بِالْحَوْلَيْنِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَهُ عِنْدَهُ مُدَّةٌ، وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي الثَّلَاثِ الآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ (?).
قال السرخسي: فَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَبَلِ سَنَتَانِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّه تعالى-: أَرْبَعُ سِنِينَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ سَنَتَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ وَهِيَ حَامِلٌ، فَهَمَّ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- بِرَجْمِهَا، فَقَالَ مُعَاذٌ -رضي اللَّه عنه-: إنْ يَكُ لَك عَلَيْهَا سَبِيلٌ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا. فَتَرَكَهَا حَتَّى