لم يكونوا من الزُّمْرَة المتحدّث عنها أوّلًا، ويظهر هذا في النصوص الدينيّة الموجَّهة لجميع الناس، وفي خُطَب الملوك والرؤساء والوعّاظ وأشباههم. (?)
الوجه الثالث: فائدة الالتفات في آية سورة يونس؛ وهو من نوع: الانتقال من الخطاب إلى الغيبة.
وقوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} خروج من الخطاب إلى الغيبة، وهو في القرآن وأشعار العرب كثير؛ قال النابغة:
يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد. (?)
قال الزمخشري: فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة؟
قلت: المبالغة؛ كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليُعَجِّبَهُمْ منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح. (?)
وأما الرجوع من الخطاب إلى الغيبة في آية يونس؛ فإنه إنما صرف الكلام ههنا من الخطاب إلى الغيبة لفائدةٍ وهي أنه ذكر لغيرهم حالهم، ليعجبهم منها كالمخبر لهم ويستدعي منهم الإنكار عليهمِ، ولو قال حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بكم بريح طيبة وفرحتم بها. . وساق الخطاب معهم إلى آخر الآية لذهبت تلك الفائدة التي أنتجها خطاب الغيبة، وليس ذلك بخافٍ عن نقدة الكلام، ومما ينخرط في هذا السلك قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)} (الأنبياء: 92 - 93) الأصل في (تقطعوا) تقطعتم