ومثله في الاتساع قوله -عز وجل-: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} (البقرة: 171)، وإنما شبهوا بالنعوق به، وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع، ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى. (?)

الوجه الثاني: يَرِدُ المصدرُ بمعنى: اسمِ الفاعل.

قال أبو عبيدة: ومن مجاز المصدر الذي في موضع الاسم أو الصفة قال: (ولكِن البِرّ مَن آمَنَ بِاللَّه) خروج المعنى: البارُّ، وقال: {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} (الأنبياء: 30)، والرتق: مصدر وهو في موضع مرتوقتين. . .؛ فالعرب تجعل المصادر صفاتٍ، فمجاز البرّ ها هنا: مجاز صفة لـ (مَن آمن باللَّه)، وفي الكلام: ولكن البارَّ مَن آمن باللَّه، قال النابغة:

وقد خِفتُ حتى ما تَزيدُ مخَافتِي ... على وَعِلٍ في ذي القِفَارة عاقِلِ

والمخافة: فعل، والوَعل اسم، وفي آية أخرى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} (البقرة: 177)؛ فـ (البرّ) ها هنا مصدر، و (مَن) في هذا الموضع اسم. . .

{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (البقرة: 189): البرّ هنا: في موضع البار، ومجازها: أي اطلبوا البرّ من أهله ووجهه، ولا تطلبوه عند الجهَلة المشركين. (?)

لقوة شبه المصدر باسم الفاعل الذي هو صفة تَرى أن كل واحد منهما قد يقع موقع صاحبه؛ يقال: رجل عدل أي: عادل، فوقع المصدر موقع اسم الفاعل. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015