رضوان الله، ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، وقالت طائفة: ما فعلوها أو ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله.

قيل: كلا القولين خطأ والأول أظهر خطأ؛ فإن الرهبانية لم يكتبها الله عليهم؛ بل لم يشرعها لا إيجابًا ولا استحبابًا، ولكن ذهبت طائفة إلى أنهم لما ابتدعوها كتب عليهم إتمامها وليس في الآية ما يدل على ذلك فإنه قال: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}، فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية ولا إتمامها ولا رعايتها؛ بل أخبر أنهم ابتدعوا بدعة، وأن تلك البدعة لم يرعوها حق رعايتها.

فإن قيل: قوله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} يدل على أنهم لو رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين، قيل: ليس في الكلام ما يدل على ذلك؛ بل يدل على أنهم مع عدم الرعاية يستحقون من الذم ما لا يستحقونه بدون ذلك، فيكون ذم من ابتدع البدعة ولم يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد منهما محمودًا؛ بل مذمومًا مثل نصارى بني تغلب ونحوهم ممن دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها؛ بل أخذوا منها ما وافق أهواءهم فكان كفرهم وذمهم أغلظ ممن هو أقل شرا منهم، والنار دركات كما أن الجنة درجات، وأيضًا فالله تعالى إذا كتب شيئًا على عباده لم يكتب ابتغاء رضوانه؛ بل العباد يفعلون ما يفعلون ابتغاء رضوان الله، وأيضًا فتخصيص الرهبانية بأنه كتبها ابتغاء رضوان الله دون غيرها تخصيص بغير موجب فإن ما كتبه ابتداء لم يذكر أنه كتبه ابتغاء رضوانه فكيف بالرهبانية؟

وأما قول من قال: ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله فهذا المعنى لو دل عليه الكلام لم يكن في ذلك مدح للرهبانية، فإن من فعل ما لم يأمر الله به؛ بل نهاه عنه مع حسن مقصده غايته أن يثاب على قصده لا يثاب على ما نهى عنه، ولا على ما ليس بواجب ولا مستحب فكيف والكلام لا يدل عليه فإن الله قال: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015