كان لزامًا أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث، وهو قوله: "فزروها" إنما أراد به الجنسين أيضًا، ويؤيده أن الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث بريدة المتقدم آنفًا: "وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَن النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا" أقول: فالخطاب في جميع هذه الأفعال موجه إلى الجنسين قطعًا، كما هو الشأن في الخطاب الأول "كنت نهيتكم" فإذا قيل بأن الخطاب في "فزوروها" خاص بالرجال، اختل نظام الكلام وذهبت طراوته؛ الأمر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد -صلى اللَّه عليه وسلم- ويزيده تأييدًا. . . مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شُرعت زيارة القبور، فإنها ترقرق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة. اهـ. (?)
3 - عن أنَس بْن مَالِكٍ قال: مَرَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بامرأة وَهِيَ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: "اتَّقِي اللَّه وَاصْبِرِي" فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لم تصب مُصِيبَتِي، ولم تعرفه، (?) فقيل لها: أنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقَالَ: "إِنَّما الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى" (?).
وجه الدلالة:
قال الحافظ: وموضع الدلالة منه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة. (?)