فالأقرب المراد: أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب لا أنها تأتي الفاحشة، وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة مع البعد من الفاحشة، ولو أراد به أنها لا تمنع نفسها عن الوقاع من الأجانب لكان قاذفًا لها. (?)
وفي تعليق السندي على هذا الحديث ذاكرًا اختلاف العلماء في حكم النهي عن نكاح الزانية (وقد رجح كونه مكروهًا) قائلًا: قِيلَ: هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} وَعَلَيْهِ الجُمْهُور، وَقِيلَ: حَرَامٌ كَمَا هُوَ ظاهِرُ قَوْله: (وَهِيَ لَا تَمْنَع يَد لَامِسٍ) أَيْ: أَنَّهَا مُطَاوِعَةٌ لِمَنْ أَرَادَهَا، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْفُجُورِ.
وَقِيل: بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ بَذْلِها الطَّعَامَ، قِيلَ: وَهُوَ الْأَشْبَه، وَقَالَ أَحْمَد: لَمْ يَكُنْ لِيَأْمُرَهُ بِإِمْسَاكِهَا وَهِيَ تَفْجُر، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ المُرَادُ السَّخَاءَ لَقِيلَ: لَا تَرُدُّ يَدَ مُلْتَمِسٍ؛ إِذْ السَّائِل يُقَال لَهُ المُلْتَمِس لَا لَامِس، وَأَمَّا اللَّمْس فَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ بَعْضُ مُقَدَّمَاتِهِ، وَأَيْضًا السَّخَاء مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ فَلَا تَكُون المَرْأَةُ مُعَاقَبَةً لِأَجْلِهِ مُسْتَحِقَّةً لِلْفِرَاقِ فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تُعْطِيَ من مَالِها أَوْ من مَالِ الزَّوْجِ، وَعَلَى الثَّانِي عَلَى الزَّوْج صَوْنُه وَحِفْظُه. وَعَدَمُ تَمْكِينهَا مِنْهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَمْرُ بِتَطْلِيقِهَا، وَقِيلَ: المُرَادُ أَنَّهَا تَتَلَذَّذُ بِمَنْ يَلْمِسهَا فَلَا تَرُدُّ يَده وَلَمْ يُرِدْ الْفَاحِشَةَ الْعُظْمَى، وَإِلَّا لَكَانَ بِذَلِكَ قَاذِفًا -وهو الراجح-، وَقِيلَ: الْأَقْرَبُ أَنَّ الزَّوْج عَلِمَ مِنْهَا أَنَّ أَحَدًا لَوْ أَرَادَ مِنْهَا السُّوء لمَا كَانَتْ هِيَ تَرُدّهُ لَا أَنَّهُ تَحَقَّقَ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهَا بَلْ ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ بِقَرَائِن فَأَرْشَدَهُ الشَّارِع إِلَى مُفَارَقَتهَا إِحْتِيَاطًا فَلَمَّا عَلِمَ أنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِرَاقهَا لِمَحَبَّتِهِ لَهَا وَأنَّهُ لَا يَصْبِر عَلَى ذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ فِي إِثْبَاتهَا لِأَنَّ مَحَبَتَه لَهَا مُحَقَّقَةٌ وَوُقُوعَ الْفَاحِشَة مِنْهَا مُتَوَهَّمٌ.
"اسْتَمْتِعْ بِهَا" أَيْ: كُنْ مَعَهَا قَدْرَ مَا تَقْضِي حَاجَتَك، ثُمَّ لَا دَلَالَة فِي الْحَدِيث عَلَى جَوَاز نِكَاح الزَّانِيَة إِبْتِدَاءً ضَرُورَة أَنَّ الْبَقَاء أَسْهَل مِنَ الِابْتِدَاء عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مُحْتَمِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (?)