حتى ضربت الأمثال بدهائه تأكيدًا لما أرادت من الفساد، وتبع في ذلك بعض الجهال بعضًا وصنفوا فيه حكايات. وغيره من الصحابة كان أحذق منه وأدهى وإنما بنوا ذلك على أن عمرًا لما غدر أبا موسى في قصة التحكيم صار له الذكر في الدهاء والمكر. (?) ثم قال بعد سوق الرواية بنحو ما مر في الرواية السابقة: هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء اخترعته المبتدعة ووضعته التاريخية للملوك فتوارثته أهل المجانة والجهارة بمعاصي اللَّه والبدع. وإنما الذي روى الأئمة الثقات الأثبات أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر في عصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر ونحوه عزل عمرو معاوية.

ذكر الدارقطني بسنده إلى حصين بن المنذر: لما عزل عمرو معاوية جاء حصين بن المنذر فضرب فسطاطه قريبًا من فسطاط معاوية، فبلغ ثناه معاوية، فأرسل إلي، فقال إنه بلغني عن هذا أي عن عمرو كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه، فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، واللَّه ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو عنهم راض. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر اللَّه عنكما. قال: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه، فأتيته فأخبرته فأتى حصين معاوية فأخبره أن الذي بلغه عنه كما بلغه، فأرسل إلى أبي الأعور الذكواني فبعثه في خيله، فخرج يركض فرسه ويقول: أين عدو اللَّه؟ أين هذا الفاسق؟ . قال أبو يوسف: أظنه قال إنما يريد حوباء نفسه فخرج عمرو إلى فرس تحت فسطاطه فجال في ظهره عريانا، فخرج يركضه نحو فسطاط معاوية وهو يقول: إن الضجور قد تحتلب العلبة يا معاوية إن الضجور قد تحتلب العلبة، فقال معاوية: أحسبه ويريد الحالب فتدق أنفه وتكفأ إناءه.

قال الدارقطني وذكر سندًا عدلًا وساق الحديث ربعي عن أبي موسى أن عمرو بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015