أنفع لهما وأجدى عليها، وأقرب شيء إلى الطبيعة البشرية في هذه الحالة أن يعبس الإنسان إذا صرفه عما هو بصدده كما فعل ابن أم مكتوم، ولكن ذلك كان على خلاف مراده تعالى فعاتبه عليه ونبهه إليه وبين له أن الصواب في ألا يعرض عن راغب في المعرفة مهما قل شأنه، وألا يتصدى لمعرض عن الهداية وإن كان عظيمًا، لأن مهمته التبليغ وما عليه من شيء في كفر الناس أو إيمانهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يكرم عبدالله بن أم مكتوم، فعن أنس - رضي الله عنه - في قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه، فأنزل الله {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، قال: فكان بعد ذلك يكرمه (?).
الوجه الثالث: حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على دعوة الكبار والرؤساء للإسلام.
لقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد الحرص على دعوة الكبار والزعماء والقادة والرؤساء إلى دين الله عزَّ وجلَّ في إجابتهم للإسلام، ودخولهم فيه نصر لدين الله، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - شديد الحزن على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} [الكهف: 6]، وقال تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} [الشعراء: 3]، وقال أيضًا: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} فاطر: 8)، وقال تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} (النحل: 127).
قال ابن كثير: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}، يقول تعالى مسليًا رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حزنه على المشركين، لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، كما قال تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (فاطر: 8)، وقال: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} (النحل: