وروي عن الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ: قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ الله، مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَكَ، فَنزلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (?).
وقال الحافظ ابن حجر: وقع في رواية أخرى عند الحاكم (فقالت خديجة)، وأخرجه الطبري أيضًا من طريق عبد الله بن شداد (فقالت خديجة: ولا أرى ربك)، ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه: (فقالت خديجة: لما ترى من جزعه)، وهذان طريقان مرسلان ورواتهما ثقات، فالذي يظهر أن كلًّا من أم جميل وخديجة قالت ذلك، لكن أمَّ جميل عبرت لكونها كافرة بلفظ: (شيطانك)، وخديجة عبرت لكونها مؤمنة بلفظ: (ربك) أو (صاحبك)، وقالت أم جميل شماتةً وخديجة توجعًا (?).
وسواءً كان القائل أم جميل أمْ المشركون أمْ خديجة - رضي الله عنها - فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابه الحزن لفتور الوحي، وكما مرَّ عند البخاري أن أمَّ جميل زوج أبي لهب - عليها لعنة الله - قالت ما قالت شماتةً، وهذا مما زاد في حزنه - صلى الله عليه وسلم -، فكان نزول هذه السورة المباركة من إحدى عشرة آية ترضيةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتطييبًا لخاطره مما أصابه ورفعًا للحزن عنه، فنزلت السورة تنفي مقالة السوء التي فاهت بها الكافرة، ويقسم الله في أولها على حبه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -. فكيف يفهم من سورة هذا شأنها أن يكون فيها ما يعيب من قريب أو بعيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
الوجه الثالث: السورة كلها منقبة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويظهر هذا من الإشارة إلى معانيها.
ومن ذلك أن الله بدأ السورة بالقسم، فأقسم بالضحى، ثم أتبعه قسمًا آخر فأقسم بالليل، فالله عزَّ وجلَّ أقسم على ماذا؟ فكان جواب القسم: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (?)}.