وقد سجلت لنا السيدة خديجة شمائله التي طبعه الله تعالى عليها، حتى من قبل أن تأتيه الرسالة، فقالت له لما جاءه الوحي: والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. (?)

فكانت هذه خلاله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه، فلما جاءه الوحي زادت نورًا وتلألؤًا وجلالًا، فصلى الله عليك يا من أرسلك ربك رحمة للعالمين.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يوصي بالنساء قائلًا: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلقن من ضلع أعوج" (?)؛ وبما ملكت الأيمان، فنجد آخر كلماته - صلى الله عليه وسلم - حين حضرته الوفاة: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه." (?)

ومن رحمته خوفه على الأمة:

عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله تعالى في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)} [إبراهيم: 36]، وقول عيسى عليه السَّلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 118] فرفع يديه قائلًا: "اللهم أمتي أمتي" وبكى، فقال الله عزَّ وجلَّ: "يا جبريل اذهب إلى محمد فسله: "ما يبكيك؟ " فأتاه جبريل فسأله، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قال، وهو أعلم، فقال الله تعالى: "يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له: "إنا سنرضيك في أمتك ولن نسوؤك" (?).

كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئًا، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم، فارفق به". (?)

الوجه الثالث: كيف كان رحمة للكافرين؟

أولًا: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان رحمة في الدين وفي الدنيا، أما في الدين فلأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث والناس في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015