وعَنْ عَليِّ بْنِ الحسَيْنِ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ: لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ: "لَا تَعْجَلي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ"، وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ؛ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُّمَّ أَجَازَا، وَقَالَ لَهما النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، قَالَا: سبْحَانَ الله يَا رَسولَ الله، قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا" (?).
والحْدِيث فِيهِ بَيَان كمالِ شَفَقَته - صلى الله عليه وسلم - علَى أُمَّته، وَمُرَاعَاته لمِصَالحِهِمْ، وَصِيَانَة قُلُوبهمْ وَجَوَارِحهمْ، وَكَانَ بِالْمؤْمِيينَ رَحِيمًا، فَخَافَ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلَقِي الشَّيْطَان عليهم، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ نَحْو هَذَا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَفَرَ، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب التَّحَرُّز مِنْ التَّعَرُّض لِسُوءِ ظَنّ النَّاس فِي الْإِنْسَان، وَطَلَب السَّلَامَة وَالاعْتِذَار بِالْأَعْذَارِ الصَّحِيحَة، وَفِيهِ الاسْتِعْدَاد لِلتَّحَفُّظِ مِنْ مَكَايِد الشَّيْطَان (?).
الوجه الرابع: غيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومراعاة شعور غيره بالغيرة.
فعن سَعْد بْن عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَقَالَ: "النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَالله أَغْيَرُ مِنِّي" (?).
وَالْغَيْرَة صِفَة كَمَالِ فَأَخْبَرَ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّ سَعْدًا غَيُور، وَأنَّهُ أَغْيَر مِنْهُ، وَأَنَّ الله أَغْيَر مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَأنَّهُ مِنْ أَجْل ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِش، فَهَذَا تَفْسِير لِمَعْنَى غَيْرَة الله تَعَالَى، أَيْ: أَنَّهَا مَنْعه سُبْحَانه وَتَعَالَى النَّاس مِنْ الْفَوَاحِش؛ لَكِنْ الْغَيْرَة فِي حَقّ النَّاس يُقَارِنهَا تَغَيُّر حَال الإِنْسَان وَانْزِعَاجه، وَهَذَا مُسْتَحِيل فِي غَيْرَة الله تَعَالَى (?).
والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ الله، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمدْحُ مِنْ الله" (?).