بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد: فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. (?)
وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله تعالى قد اختص بمعرفة علم الغيب وأنه استأثر به دون خلقه جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحى إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179]، وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26، 27].
فنخلص من ذلك: أن ما وقع على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإخبار بالمغيبات، وحي من الله تعالى، وهو من إعلام الله - صلى الله عليه وسلم - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - للدلالة على ثبوت نبوته، وصحت رسالته، وقد اشتهر وانتشر أمره - صلى الله عليه وسلم - بإطلاع الله له على المغيبات:
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَقَامًا، مَا ترَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. (?)
قال القاضي عياض: ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون. والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره، وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع الواصل إلينا خبرها على التواتر لكثرة رواتها، واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب. (?)
ومعجزات هذا الباب لا يمكن استقصاؤها لكثرتها ووقوعها منه - صلى الله عليه وسلم -، وهي على أقسام ثلاثة. (?)