أراد قرض الشعر لم يتأتَ له، ولم يتسهل، كما جعلناه أُمِّيًا لا يهتدي إلى الخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض. (?)
الوجه الثاني: بعض الأحاديث الواردة في ذلك.
1 - ما رُوي عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ في بَعْضِ المُشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ: "هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِى سَبِيلِ الله مَا لَقِيتِ". (?)
2 - وبما رُوي عَنِ المقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: قِيلَ لَهَا هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَمَثَّلُ بشيء مِنَ الشَّعْرِ قالتْ: كان يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَة وَيَتَمَثَّلُ وَيَقُولُ: "وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ". (?)
3 - ما روى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: لَكِنْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَفِرَّ، كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً، وَإِنَّا لمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِنم انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الحارِثِ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا النبي لا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطَّلِبْ". (?)
الوجه الثالث: أقوال العلماء وتوجيهاتهم للأحاديث ودفع توهم التعاوض.
سلك المفسرون والعلماء مسالك تصب كلها في مصب واحد، وهو الاتفاق وعدم التعارض بينها على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينشد أو يتغنَّ بالشعر.
قال ابن العربي: وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ مَوْزُونِ الْكَلَامِ لَا يُعَدُّ شِعْرًا، وَإِنَّمَا يُعَدُّ مِنْهُ مَا يَجْرِي عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ وَمَعَ الْقَصْدِ إلَيْهِ.
ففي الحديث قَولهُ: "هَلْ أَنْتَ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ، وَفي سَبِيلِ الله مَا لَقِيت".
قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ هَذَا شِعْرًا مَوْزُونًا إذَا كُسِرَتْ التَّاءُ مِنْ دَمِيَتْ وَلَقِيت، فَإِنْ سُكِّنَتْ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ عَلَى هَذه الصِّفَةِ تَكُونُ فَعُولٌ، وَلَا مَدْخَلَ لِفَعُولٍ فِي