قال القرطبي: و (إن) بمعنى (ما) في القرآن في مواضع خمسة وذكر منها هذا الوضع (?) وذكره الرازي كذلك، وقال ابن حزم رحمه الله: وإنما معنى (إن) ها هنا الجحد، فهي هنا بمعنى (ما) وهذا المعنى هو أحد موضوعاتها في اللغة العربية، كما قال تعالى آمرًا نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 188) بمعنى: ما أنا إلا ندير وبشير لقوم يؤمنون، كما ذكر الله - عز وجل - عن الأنبياء أنهم قالوا: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (إبراهيم: 11) وكما قال تعالى مخبرًا عن النسوة إذ رأين يوسف - عليه السلام - فقلن: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} أن نت (يوسف: 31) بمعنى: ما هذا إلا ملك كريم، وكما قال تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 17) أي ما كنا فاعلين. فعلى هذا المعنى خاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم -: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك، ثم قال تعالى {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} بمعنى ولا أعداؤك الذين يقاتلونك من الذين أوتوا الكتاب من قبلك ما هم أيضًا في شك مما أنزلنا إليك، بل هم موقنون بصحة قولك، وإنك نبي حق، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا شك عندهم في أن الذي جاءك الحق. ومثل هذا أيضًا قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم: 46) تهوينًا له، وكذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزخرف: 81) بمعنى ما كان للرحمن ولد. فوضح جهل هذا المعترض وضعف تمييزه، والحمد لله رب العالمين. (?)

الوجه الثامن: أن هذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الفرض والتقدير.

قال الآلوسي: والمراد إن كنت في ذلك على سبيل الفرض والتقدير؛ لأن الشك لا يتصور منه عليه - صلى الله عليه وسلم - لانكشاف الغطاء له، ولذا عبر بإن التي تستعمل غالبًا، فيما لا تحقق له حتى تستعمل في المستحيل عقلًا، وعادة كما في قوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015