الوجه الرابع: يعني لنفسي في الخروج من غير أن تأذن لي، ولم يكن ذلك عقوبة من الله، لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان تأديبًا، وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان. (?)
الوجه الخامس: اعتراف العبد بأنه مذنب أو ظالم لنفسه ليس اتهامًا له، بل هذا من مناقبه.
فقد اعترف آدم بقوله: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23] فعد ذلك من مناقبه.
وقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ماذا يقول في دعائه لما طلب منه ذلك، فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِى صَلاتِي. قَالَ: "قُلِ: اللهمَّ إني ظَلَمْتُ نفسي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وارحمني إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". (?)
وكذلك قال يونس - عليه السلام -: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} اعترف بظلمه لنفسه - وإن لم يكن من الظالمين بالمعنى الذي يقصدونه - فعد هذا من مناقبه ولذلك لما نادى في الظلمات استجاب الله له قال الله: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء: 87 - 88).
قال الواسطي في معناه: نزه ربه عن الظلم وأضاف الظلم إلى نفسه اعترافًا واستحقاقًا، ومثل هذا قول آدم وحواء: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] (الأعراف: 23) إذ كانا السبب في وضعهما أنفسهما في غير الموضع الذي أنزلا فيه. (?)
ولذلك جاء في الحديث: عن سعد بن أبي وقاص: قَالَ مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي المسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَتيْتُ أَمِيرَ المْؤمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ شَيْءٌ لا مَرَّتَيْنِ؟ قَالَ: لَا، وَمَا ذَاكَ؟