برسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوازل من شأنها أن تحفزه إلى القول، وكانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم بحيث لو كان الأمر إليه، لوجد له مقالًا ومجالًا، ولكنه كانت تمضي الليالي والأيام تتبعها الليالي والأيام، ولا يجد في شأنها وحيًا من قرآن أو سنة يقرؤه على الناس.

ألم يرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه عائشة - رضي الله عنها -، وأبطأ الوحي، وطال الأمر والناس يخوضون، حتى بلغت القلوب الحناجر، وهو لا يستطيع إلا أن يقول بكل تحفظ واحتراس: "إني لا أعلم عنها إلا خيرًا" ثم إنه بعد أن بذل جهده في التحري والسؤال، واستشارة الأصحاب، ومضى شهرًا بأكمله، والكل يقولون: ما علمنا عليها من سوء، لم يزد على أن قال آخر الأمر: "يا عَائِشَةُ إِنَّهُ بلغني عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئةً، فَسَيُبرِّئُكِ الله، وَإِنْ كُنْتِ أَلُممْتِ بِذَنْبٍ، فاستغفري الله وتوبي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ، ثُمَّ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ". (?)

الدليل الرابع: هذا حاله - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله يشهد بصدقه وعصمته في كل ما يبلغ عن ربه عز وجل، ومن أقواله - صلى الله عليه وسلم - على عصمته في بلاغ وحى الله عز وجل من كتاب وسنة ما يلي:

1 - حديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - وجاء فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتكُمْ عَنِ الله شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى الله عز وجل" (?).

والحديث نص على عصمته - صلى الله عليه وسلم - من الكذب فيما يخبر به عن الله تعالى.

2 - حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: "كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتكلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ". (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015