وإذا أمعنت النظر في هذه المعاني وجدتها جميعًا ترجع إلى المعنى الأول الذي هو "المنع" فالحفظ منع للشيء من الوقوع في المكروه أو المحظور، والقلادة تمنع سقوط الخرز منها، والحبل يمنع من السقوط والتردي، والسبب يمنع صاحبه عما يكره (?).
قال ابن الأثير: العصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامي، والاعتصام الامتساك بالشيء افتعال منه. ومنه شعر أبى طالب يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أي: يمنعهم من الضياع والحاجة (?).
تعريف العصمة شرعًا:
عرَّف المتكلمون والمحدثون من أهل السنة العصمة في الشرع بتعريفات بعضها يختلف عن بعض لفظًا إلا أن المعنى واحد، وقد يختلف بعضها لفظًا ومعنى، والاختلاف في المعنى يعود إلى من سلب اختيار المعصوم في أفعاله، ومن أوجبه.
وهذه التعريفات وإن اختلفت مناحيها في التعبير، وتنوعت جواذب تناولها لمعنى عصمة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فإنها جميعها تنتهي إلى حفظ الله تعالى إياهم من مواقعة الذنوب والمخالفات بعد البعثة باتفاق المحققين المحقين، وقبل البعثة على التحقيق.
ولعل من أحسن التعريفات للعصمة وأسلمها ما ذكره صاحب كتاب نسيم الرياض: لطف من الله تعالى يحمل النبي على فعل الخير، ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقًا للابتلاء (?).