وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها.
وما ظنك بمن غاب عنه هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك وحلَّ به من الآلام والعذاب ما يكون به مثل الحوت إذا فارق الماء ووُضع في الفلا.
وإذا كان هذا عمل الأنبياء -عليهم السلام- وتلك وظيفتهم، فإنه لا يتم الغرض منها ولا تتحقق على تمام وجهها إلا إذا كانوا من الكمال وعلو المنزلة وسمو المقام في نفوس الناس بالدرجة التي تجعلهم أهلًا لأن يُقتدى بهم في أعمالهم وسيرتهم، ويلتزم ما يبلغون عن الله تعالى من الشرائع والأحكام، فقد اصطفاهم الله تعالى {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}، واجتباهم إلى صراطه المستقيم {ولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.
ومما لا يشك فيه عاقل أن الله العليم الخبير محال أن يتخذ رسولًا رجلًا تزدريه الأعين وتحتقره القلوب، أو رجلًا متهمًا في نسبه أو ناقصًا أو مشوهًا في خلقه وجسمه يجعل منه داعيًا إليه بإذنه، ومن أجل هذا بعث الله أنبياءه من أوسط قومهم نسبًا، وبرأهم من العيوب الجسيمة، وأعطاهم من صفات الرجولة من الشجاعة وصدق العزيمة وقوة الإرادة وشدة البأس وسعة الصدر وحدة الذهن وذكاء القلب وطلاقة اللسان وحلاوة النطق، ولذلك قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، وقال لموسى عليه السلام: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}، وقال له: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.
كل هذا ما يوضح بأتم أنواع الإيضاح عن شدة عناية الله تعالى بمن سبق في علمه أنه سيتخذه رسولًا لخلقه، وليس ذلك خاصًا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو لكل واحد من أنبيائه، فإذا رجعت إلى القرآن الكريم رأيت هذا في قصص الأنبياء بيِّنًا واضحًا {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ