الفصل الثاني

المبحث الأول: حالة العالم قبل الإسلام

ويشتمل هذا المبحث على المطالب الآتية:

المطلب الأول: تمهيد.

المطلب الثاني: المحاور التي يتم على أساسها تقييم أي حضارة سابقة أو لاحقة.

المطلب الأول: تمهيد.

كان القرن السادس والسابع لميلاد المسيح عليه السلام من أحط أدوار التاريخ بلا خلاف، فكانت الإنسانية متدلية منحدرة منذ قرون، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي، فقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها وشدة في إسفافها، وكأنَّ الإنسان في هذا القرن قد نسي خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وقوة التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، وقد خفتت دعوة الأنبياء من زمن، والمصابيح التي أوقدوها قد انطفأت من العواصف التي هبت بعدهم أو بقيت، ونورها ضعيف ضئيل لا ينير إلا بعض القلوب فضلًا عن البيوت فضلًا عن البلاد، وقد انسحب رجال الدين من ميدان الحياة، ولاذوا إلى الأديرة والكنائس والخلوات، فرارًا بدينهم من الفتن وضنًّا بأنفسهم، أو رغبة إلى الدعة والسكون، وفرارًا من تكاليف الحياة وجدها، أو فشلًا في كفاح الدين والسياسة والروح والمادة، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا، وعاونهم على إثمهم وعدوانهم، وأكل أموال الناس بالباطل. . . على حساب الضعفاء والمحكومين. ومن ناحية الأديان فقد أصبحت الديانات العظمى فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المحرفين والمنافقين، حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأولون لم يعرفوها، وأصبحت مهود الحضارة الثقافة والحكم والسياسة مسرح الفوضى والانحلال والاختلال وسوء النظام، وعسف الحكام، وشغلت بنفسها، لا تحمل للعالم رسالة ولا للأمم دعوة، وأفلست في معنوياتها، ونضب معين حياتها، لا تملك مشرعًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015