- وكذلك صنف الحميدي (ت 219 هـ)، وهو من شيوخ البخاري مسندًا، وكثير من هذه المسانيد مطبوعة ومتداولة.

ثم دخل القرن الثالث للهجرة، وهو العصر الذهبي لتدوين السنة النبوية الشريفة، وما انخرم هذا القرن إلا والسنة النبوية قد دُونت بالكامل تقريبًا، فما من إمام من أئمة الحديث الحفاظ إلا وصنف كتابًا يجمع فيه أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، التي سمعها بالأسانيد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وكان من أبرز وأشهر من دون السنة في هذا العصر: إمام المحدثين، وجبل الحفظ وقدوة العلماء، العالم الرباني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 هـ).

ورأى أن يفرد صحيح الأحاديث بكتاب، فصنف كتابه (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه) (?)، وهو المشهور بـ (صحيح البخاري)، وكان مَمَّا قوَّى عزمه على تأليف هذا الكتاب: أنه كان يومًا عند شيخه إسحاق بن راهويه فقال إسحاق: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع (الجامع الصحيح) (?).

قال الإمام النسائي: ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل (?).

ثم تلاه صاحبه وتلميذه: الإمام الحجة أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (204 - 261)، وسار على دربه، ونسج على منواله، وأفرد الأحاديث الصحيحة بكتاب، وهو المشهور بـ (صحيح مسلم)، ولكن البخاري ومسلم -كلاهما- لم يستوعبا الصحيح كله. فعن إبراهيم بن معقل قال: سمعتُ البخاري يقول: ما أدخلتُ في كتابي (الجامع) إلا ما صح، وتركتُ من الصحاح لحال الطول (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015