وكما قالت عائشة زوجه رضي الله عنها: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحدِيثَ كَسَرْدِكُمْ، إنما كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العاد لَأَحْصَاهُ (?).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ" (?).
ولذلك فقد كان الصحابة - رضي الله عنه - يحفظون كلامه وأفعاله، وكان ذلك أمرًا يسيرًا عليهم، وكان من الصحابة من يكتب ما يسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، إلا أنَّ غالب الصحابة كانوا يحفظون ولا يكتبون.
الوجه الثاني: حفظ السنة على أنواع.
اعلم أن حفظ السنة قام على أمرين أساسيين:
الأول: حفظ الصدر. الثاني: حفظ الكتاب.
وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته على كلا الأمرين فمن ذلك:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّرَ الله امْرَءًا سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ" (?).
فدعا - صلى الله عليه وسلم - بالنضرة لمن سمع شيئًا - وشيئًا نكرة في سياق الإثبات فتدل على الإطلاق - فبلغه على وجهه كما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم حث السامع على تبليغه والعمل به بقوله: "فرب مبلغ أوعى من سامع" ففي هذا النص حث على حفظ الصدر، وضبطه ضبطًا صحيحًا حتى يؤديه كما سمعه، وحث على رواية الحديث؛ نشرا للعلم.
2 - وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شيء أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شيء تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضبِ وَالرِّضَا؛ فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: "اكتُبْ فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ: مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ". (?)