ونثبت الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- تفضيلًا له وتقديمًا على جميع الأمة. والدليل على إثبات الخلافة لأبي بكر ما رواه جُبَيْر بْن مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قال: أتتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أن ترجع إليه، فَقَالتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ الله، إِنْ لَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تَعْنِي الموْتَ، فقَال: إِنْ لَمْ تَجِدِيني فَأْتِي أبا بَكْرٍ (?).
قال عبد الله بن جعفر الطيار: ولينا أبو بكر -رضي الله عنه- فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا (?).
ولما لا يكون الخليفة الأولى بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر وهو أول من صدق رسول الله، وأسلم وصحبه وأحسن الصحبة، وأنفق عليه ماله، وصاحبه في الغار، والمنزَّل عليه السكينة، وعاتب الله -عز وجل- الخلق كلهم في النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أبا بكر فإنه أخرجه من المعاتبة فقال -عز وجل-: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} (التوبة: 40). الصابر معه بمكة في كل شدة ورفيقه في الهجرة ولما مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يستطع الخروج إلى الصلاة فأمر أن يتقدم أبو بكر فيصلي بالناس ولا يتقدم غيره. وقال -صلى الله عليه وسلم- لعائشة وهو على فراش موته: "ادْعِي لي أبا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كتَابًا فإني أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ أنا أَوْلَى. وَيَأبى الله وَالمؤْمِنُونَ إِلَّا أبا بَكْرٍ". (?)
وقال -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ بنفسه وَمَالِهِ أبو بَكْرٍ". (?)
فاجتمع المسلمون على بيعة أبي بكر الصديق وانقيادهم لإمامته لما اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما أعجبني فخشيت أن لا يبلغه أبو بكر فتكلم وأبلغ، وقال في