قال الجوهري: المأوى كل مكان يأوي إليه شيء ليلًا أو نهارًا، وآونا أي: ردنا، وأوى إليه أويه وأية ومأوية ومأواة أي: رق ورثى له، قال زهير:
بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا
وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخوي في سجوده حتى كنا نأوي له بمنزلة.
وقولك: كنا نرثي له ونشفق عليه من شدة إقلاله بطنه عن الأرض ومدة ضبعيه على جنبه، وفي حديث آخر كان يصلي حتى كنت آوي له، أي: أرق له وأرثي، وفي حديث المغيرة: لا تأوي من قلة؛ أي: لا ترحم أوجهًا ولا ترق عند الإعدام.
فأنت ترى أن لفظة الإيواء عند تصريفها تطلق على عدة معانٍ أو عند إدخالها في جملة فتفيد معنى: الرجوع، والعود، والضم، والإحاطة، والنصرة، والإشفاق، والرثاء، والرحمة، فإطلاقها بمعنى: دخول المنزل لا دليل عليه، وحتى لو كان المقصود بالإيواء هو ما يفهمونه، فانظر إلى آخر الوجوه في الرد (?).
الوجه الثاني: ما قيل في معنى هذا الاستثناء.
إن الاستثناء وهو قول: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} فيه قولان:
الأول: أنه عائد إلى الأمن لا إلى الدخول، والمعنى: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله، ونظيره قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27].
الثاني: وقيل إنه عائد إلى الدخول (?). وحاصل ذلك أن في قوله: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} أربعة أقوال: أحدها: أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا.
والثاني: أن الاستثناء يعود إلى الأمن، ثم فيه قولان: أحدهما: أنه لم يثق بانصراف الحوادث عنهم. والثاني: أن الناس كانوا فيما خلا يخافون من ملوك مصر، فلا يدخلون إلا بجوارهم.
والثالث: أنه يعود إلى دخول مصر؛ لأنه قال هذا حين تلقَّاهم.