يقدرون عليه وهو فعله ومشيئته وتوفيقه فهذا غير مقدور لهم وهو الذي منعوه وحيل بينهم وبينه، فتأمل هذا الموضع، وأعرف قدره والله المستعان.

المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام وخلق المشيئة المستلزمة للفعل.

وهذه المرتبة أخص من التي قبلها، وهذه المرتبة تستلزم أمرين: أحدهما فعل للرب تعالى وهو الهدى، والثاني فعل العبد وهو الاهتداء؛ وهو أثر فعله سبحانه، فهو الهادي والعبد المهتدي؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ}، ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثره التام، فإن لم يحصل فعله لم يحصل فعل العبد؛ قال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37].

وهذا صريح في أن هذا الهدى ليس له - صلى الله عليه وسلم - ولو حرص عليه، ولا إلى أحد غير الله، وأن الله سبحانه إذا أضل عبدًا لم يكن لأحد سبيل إلى هدايته؛ كما قال تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ}، وقال تعالى: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)} [الجاثية: 23]، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13].

وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31]، وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]، وقال اهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]، ولم يريدوا أن بعض الهدى منه وبعضه منهم؛ بل الهدى كله منه، ولولا هدايتُه لهم لما اهتدوا وقال تعالى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015