قال إسماعيل بن أبي عُبَيد الله: أجمَعَ علماؤنا بكلام العرب، والرُّواةُ لأشعارهم، والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومَحالّهم أن قُرَيشًا أفصحُ العرب ألْسنةً وأصفاهم لغةً. وذلك أن الله جل ثناؤه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم، واختار منهم نبيَّ الرحمة محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، فجعل قُريشًا قُطَّان حَرَمِه، وجيران بيته الحرام، ووُلاتَهُ. فكانت وُفود العرب من حُجاجها وغيرهم يَفِدون إِلَى مكة للحج، ويتحاكمون إِلَى قريش فِي أُمورهم. وَكَانَتْ قريش تعلّمهم مَناسكَهم وتحكُمُ بَيْنَهم. ولن تزل العرب تَعرِف لقريش فضلها عليهم وتسمّيها أهل الله؛ لأنهم الصَّريح من ولد إسماعيل - عليه السلام -، لَمْ تَشُبْهم شائبة، وَلَمْ تنقُلْهم عن مناسبهم ناقِلَة، فضيلةً من الله - عز وجل - لهم وتشريفًا؛ إذ جعلهم رَهط نبيّه الأذْنَيْنَ، وعزته الصالحين، وَكَانَتْ قريش مع فصاحتها وحُسن لغاتها ورِقَّة ألسنتها، إِذَا أتتهُم الوُفود من العرب تخيّروا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لغاتهم وأصفى كلامهم. فاجتمع مَا تخيّروا من تِلْكَ اللغات إِلَى نَحائرهم وسَلائقهم الَّتِي طُبعوا عَلَيْهَا. فصاروا بذلك أفصح العرب. ألا ترى أنك لا تجد فِي كلامهم عَنْعَنَة تَميم، ولا عَجْرفيّة قَيْس، ولا كَشْكَشَة أسَد، ولا كَسْكَسة رَبيعةَ، ولا الكَسْر الَّذِي تسمَعه من أسدَ وقَيْس مثل: "تعلِمون" و"نِعلَم" ومثل "شِعير" "وبِعير". (?)

الوجه الثاني: الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم واقعة كلها في لغة قريش.

فلقد اشتملت لهجة قريش على خصائص كثيرة من لهجات القبائل الأخرى.

قال البخاري: بَاب نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (?)، ثم أخرج عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ. وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015