(يطعم) بالتسمية (ولا يطعم) على التجهيل أن الضمير في "وهو" يعود إلى الله تعالى، أي: والله تعالى يرزق الخلق ولا يرزقه أحد، والضمير في هذه القراءة يعود إلى الولي أي: والوالي المتخذ يرزق أحدًا، والضمير في القراءة الثالثة إلى الله تعالى أي: والله يطعم من يشاء ولا يطعم من يشاء. فليس في شيء من القراءات تناف وتضاد ولا تناقض. وكل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقد وجب قبوله ولم يسع أحدًا من الأمة رده ولزم الإيمان به وأن كله منزل من عند الله؛ إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علمًا وعملًا، ولا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنًا أن ذلك تعارض وإلى ذلك أشار عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - بقوله: "لا تختلفوا في القرآن ولا تتنازعوا فيه، فإنه لا يختلف ولا يتساقط"، ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة، حدودها وقراءتها وأمر الله فيها واحد، ولو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء ينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف ولكنه جامع ذلك كله، ومن قرأ على قراءة فلا يدعها رغبة عنها؛ فإنه من كفر بحرف منه كفر به كله".
قلت: وإلى ذلك أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لأحد المختلفين "أحسنت" وفي الحديث الآخر "أصبت" وفي الآخر "هكذا أنزلت" فصوب النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة كل من المختلفين، وقطع بأنها كذلك أنزلت من عند الله، وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء؛ فإن اختلاف القراء كل حق وصواب نزل من عند الله وهو كلامه لا شك فيه، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي والحق في نفس الأمر فيه واحد، فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر نقطع بذلك ونؤمن به، ونعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى من أضيف إليه من الصحابة وغيرهم إنما هو من حيث إنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراء به، وملازمة له، وميلًا إليه، لا غير ذلك. وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما