بعثته - عليه السلام - فلا يسمى ذلك نسخًا كقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، وقيل: إنها مطلقة، وإن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - نسختها، فعلى كل تقدير فوجوب اتباعه معين؛ لأنه جاء بكتاب هو آخر الكتب عهدا بالله تبارك وتعالى.
ففي هذا المقام بين تعالى جواز النسخ، ردا على اليهود، عليهم لعائن الله، حيث قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)} الآية، فكما أن له الملك بلا منازع، فكذلك له الحكم بما يشاء، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] (?).
الوجه الثاني: بيان معنى قوله تعالى: {أَوْ نُنْسِهَا}
الآية فيها قراءتان:
أولًا: قراءة (ننسأها) وعلى هذا تكون بمعنى التأخير، فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو (ننسأها) (?)، وَ"نَنْسَأهَا" مِنْ التَّأْخِيرِ، يُقَالُ: نَسَأَت الشَّيْءَ: أَخَّرْته، وَالنَّسِيئَةُ: الدَّيْنُ الْمُتَأَخِّرُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} يَعْنِي تَأْخِيرَ الشُّهُور، وَأَمَّا مَعْنَى قِرَاءَةِ "أَوْ نَنْسَأْهَا" فَإِنَّمَا هُوَ بِأَنْ يُؤَخِّرَهَا فَلَا يُنَزِّلُهَا وَيُنَزِّلُ بَدَلًا مِنْهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْمصْلحَةِ أَوْ يَكُونُ أَصْلَحَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَخِّرَ إنْزَالَهَا إلَى وَقْتٍ يَأْتِي فَيَأْتِي بَدَلًا مِنْهَا لَوْ أَنْزَلَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَقُومَ مَقَامَهَا فِي الْمُصْلِحَةِ (?).
قال مكي بن أبي طالب: "جعلاه - أبو عمرو وابن كثير - من التأخير على معنى: أو نؤخر نسخ لفظها نأت بخير منها، فهو من: نسأ الله في أجلك، أي أخر فيه. وتأخر النسخ