واتشح بثوب، وارتدى بآخر، وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعًا، ثم أنشأ يقول:
يا رب إن محمدًا لم يوجد ... فجميع قومي كلهم متردد
فسمعنا مناديًا ينادي من جو الهواء: معاشر القوم، لا تصيحوا؛ فإن لمحمد ربًّا لا يخذله ولا يضيعه، فقال عبد المطلب: يا أيها الهاتف، من لنا به؟ قالوا: بوادي تهامة عند شجرة اليمنى. فأقبل عبد المطلب، فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل، فصارا جميعًا يسيران، فبينما هم كذلك إذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم تحت شجرة يجذب أغصانها، ويعبث بالورق، فقال عبد المطلب: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال عبد المطلب: فدتك نفسي، وأنا جدك عبد المطلب، ثم احتمله، وعانقه، ولثمه، وضمه إلى صدره، وجعل يبكي، ثم حمله على قربوس * سرجه، ورده إلى مكة، فاطمأنت قريش، فلما اطمأن الناس نحر عبد المطلب عشرين جزورًا، وذبح الشاء والبقر، وجعل طعامًا، وأطعم أهل مكة.
قالت حليمة: ثم جهزني عبد المطلب بأحسن الجهاز وصرفني، فانصرفت إلى منزلي وأنا بكل خير دنيا؛ لا أحسن وصف كنه خيري، وصار محمد عند جده.
قالت حليمة: وحدثت عبد المطلب بحديثه كله، فضمه إلى صدره وبكى، وقال: يا حليمة، إن لابني شأنًا، وددت أني أدرك ذلك الزمان (?).
توجيه هذه الروايات:
على فرض التسليم بصحة الرواية فأين التعليم والتلقين وورقة لم يكن معلم كتاب يجمع الصبيان عنده كما يفعل المعلمون، غايته أنه وجده في الطريق فسلمه لجده عبد المطلب، ثم إن ورقة لم يدخل في النصرانية حينذاك، وإنما كان مشركًا من جملة مشركي مكة، فحتى لو بقي عنده أسبوعًا فما عند ورقة من علم يؤديه لغيره.